اليمن شريك النصر
لم يتبقّ أمام الذين خذلوا غزة كي يبرروا فعلتهم سوى أن يتحدثوا عن هزيمة غزة، لأن الحديث عن النصر الذي أنجزته غزة فضيحة لهم، بينما الترويج للهزيمة يمنحهم الفرصة للقول إنهم تجنّبوا كارثة تلحق ببلادهم كتلك التي لحقت بغزة ولبنان، وإن حكمة حكامهم بأنّهم جنّبوهم مخاطر الحرب المتهوّرة التي فجّرها الطوفان وانتهت بهزيمة، وأتاحت لهم أن يترجموا حبهم للحياة بالرقص والغناء والترفيه.
المشكلة التي تواجه هؤلاء هي أن مزاج الشعوب في العالم ومنها شعوب منطقتنا العربية والإسلامية، هو الاحتفال بنصر غزة، وقد فشل الاحتلال في تهجير أهل غزة، وفشل في كسر مقاومتها، وفشل في استعادة أسراه بالقوة، وفشل في الاحتفاظ باحتلاله لأي جزء من غزة، وفشل بإبقاء حربه مفتوحة وقرار استئنافها بين يديه، بحيث لم يترك لمن يريد منحه نصراً فشل في تحقيقه، أي سبب أو ذريعة يختبئ خلفها، وربما تتكفل الأيام المقبلة بإظهار حجم التداعيات التي تعصف بالكيان ووحدته واستقراره، بما يجعل نصر غزة أكبر من القدرة على الإنكار.
مع نصر غزة لن يكون بمستطاع أحد أن يحجب حقيقة المقارنة التي سوف تقيمها الشعوب بين أداء كل الدول العربية وشعوبها وحكوماتها، وبين اليمن وما قام به لأجل نصرة غزة وفلسطين. وقد حملت شهور الحرب الطويلة من الوقائع ما يؤكد أن اليمن دون سواه لم يتخلف أسبوعاً واحداً عن ملء الساحات والميادين ليهتف بملايينه لفلسطين، كما أن اليمن بقي صامداً يطلق صواريخه وطائراته المسيّرة نحو عمق الكيان حتى ساعة دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، ونجح طول أكثر من سنة في تحدي القدرات العسكرية الأميركية والإسرائيلية وفرض حصاراً في البحر الأحمر منع السفن المتجهة نحو موانئ كيان الاحتلال من العبور، فاستحق بجدارة لقب شريك النصر.
العبرة اليمنيّة سوف تكون واحدة من أهم خلاصات هذه الحرب، فكيف يتذرّع أقوياء العرب وأغنياء العرب بأنّهم عاجزون عن فعل شيء لنصرة فلسطين وغزة رغم وحشية الحرب التي هزّت الكرة الأرضية ولم تهتز لها المواقف العربية. وجاء اليمن يقول بالتجربة، تستطيعون أكثر مما يستطيع الفقير والجائع والمحاصَر والضعيف، لكنكم لا تريدون، وعندما تتوفر الإرادة بمستطاع كل بلدان العرب أن تكون اليمن.