كدنا نظن أن ترامب انتصر في غزة وليس المقاومة
ناصر قنديل
– حسناً فعلت حركة حماس عندما نشرت آلاف مقاتليها في كل أنحاء قطاع غزة بصورة أظهرت حجم قوتها وحضورها، حتى انتبه مَن كانوا يروّجون السردية التي تقول إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو صانع النصر، إلى صعوبة الجمع بين الصورة الآتية من غزة واسم دونالد ترامب الذي كانت له مداخلة علنيّة واحدة نحو وقف إطلاق النار، هدّد خلالها حركة حماس بالجحيم ما لم تُفرج عن الأسرى لديها قبل دخوله إلى البيت الأبيض.
– يجب التذكير أن الحرب الوحشيّة التي دمّرت قطاع غزة وقتلت عشرات الآلاف من النساء والأطفال فيه، هي الملف الوحيد الذي لا تختلف حوله إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن وإدارة الرئيس الداخل اليوم إلى البيت الأبيض دونالد ترامب، وأن لهذه الحرب هدفاً أول هو تثبيت احتلال قطاع غزة، والهدف الثاني هو تهجير سكان قطاع غزة أو بعضهم على الأقل وفقاً لما عرف بخطة الجنرالات في شمال غزة. وأن هذه الأهداف تحظى بإجماع الحزبين والرئيسين والبنتاغون والخارجية والمخابرات والأمن القومي، في فريقي الرئيسين، لكنها فشلت. وعلى مدى شهور ما بعد انتخاب ترامب، والخطة تنتقل من فشل إلى فشل، رغم شلال الدعم المفتوح من واشنطن بالسلاح والذخائر والمال والحماية الدبلوماسية والقانونية، تلبية لكلام ترامب بأن هناك أسلحة وذخائر حجبتها إدارة بايدن عن حكومة بنيامين نتنياهو يمكن أن تتيح حسم الحرب والفوز بها، وأنه صاحب نظرية أن “إسرائيل” ضئيلة جغرافياً ويجب أن تتوسّع، وأنه دعا إلى معاقبة قضاة المحكمة الجنائية الدولية لأنهم تجرأوا على إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس حكومة الاحتلال ووزير حربه السابق.
– خسرت “إسرائيل” الحرب لأن الشعب الفلسطيني تلقى كل القتل والتجويع والتدمير، ولأن المقاومة تأقلمت مع الوضع الناشئ عن احتلال قطاع غزة، ونظمت صفوفها وأعادت بناء قوتها، ونجحت بتنظيم حرب استنزاف مفتوحة على جيش الاحتلال، وتسببت بخسارته قرابة 200 ضابط وجندي خلال شهور، كان قادة الكيان يراهنون خلالها على تراجع المقاومة وقبولها بأمرين، تهجير سكان شمال غزة والتسليم بتحويله إلى حزام استيطانيّ وأمنيّ للكيان، وبقاء الاحتلال في معبر نتساريم ومحور فيلادلفيا. وظهر أن المقاومة كما قال أنتوني بلينكن وزير خارجية بايدن قد أعادت بناء قوتها وتطويع الآلاف لتعويض ما خسرته، وصارت عصية على الهزيمة، وما عاد بيد أميركا ما يمكن منحه للاحتلال من أجل تغيير اتجاه الحرب، فلا التهجير قابل للنجاح، كما قال كل خبراء الكيان، ولا الاحتلال قادر على البقاء، كما قال قادة الجيش، وصارت الهزيمة أمراً حتمياً لا مفر منه ولا مجال لتفاديه.
– أن يكون الرئيس ترامب قد فعل في حرب غزة ما فعله الرئيس بايدن في حرب أفغانستان، وكلتاهما حربان أميركيتان بامتياز، أي الاعتراف بأن لا شيء سوف يتغيّر مهما طال أمد الحرب، إلا المزيد من الخسائر المادية والبشرية، فهذا أمر طبيعي. ومثلما أخذ بايدن قرار إنهاء حرب أفغانستان أخذ ترامب قرار إنهاء حرب غزة، والسبب واحد، أن لا أمل يُرتجى من العناد على مواصلة الحرب إلا المزيد من الخسائر. وصانع النصر على أميركا وشريكها الإسرائيلي، هو الشعب الفلسطيني في غزة بصموده ومقاومته، وها هي صورة غزة أمس تحكي الحقيقة.
– قال بايدن إنه لو بقيت جيوشه في أفغانستان عشرين سنة إضافيّة لما تغير شيء إلا حجم الخسائر. وقال خبراء الكيان إن الجيش بلغ اللحظة الحرجة في مواصلة الحرب وإنه يحتاج إلى أن يتدخل الأميركيون لحماية الجيش من الانهيار وإلزام نتنياهو بإنهاء الحرب. وهنا تقاطعت المصلحة الأميركية الإسرائيلية العميقة عند الحاجة لأن يقول الرئيس الأميركي ترامب لرئيس حكومة الاحتلال نتنياهو آن أوان وقف الحرب التي بات مستحيلاً الفوز بها، لأن أضرارها وخسائرها صارت أكبر من الفوائد المرتجاة منها.
– انتصرت المقاومة فأراد ترامب تحييد إدارته عن رصيد الخسائر.