مقالات وآراء

غزة: صراع الإرادة بين القوة المحتلة وعزيمة المقاومة

 

 محمد ناس

 

طوفان الأقصى ليس مجرد مواجهة عابرة بين المقاومة الفلسطينية و»إسرائيل»، بل هو عنوان عريض دشن لمرحلة جديدة في صراع طويل الأمد يحمل في باطنه معادلات جديدة ومعقدة تتجاوز مفهومي الانتصار والهزيمة التقليديين.
ما يحدث اليوم يمكن تلخيصه ببساطة: إرادة المقاومة انتصرت، بينما فشلت أهداف «إسرائيل» الاستراتيجية. في هذا المفهوم انتصرت المقاومة.
أولاً: السياسة بين الأهداف والواقع
وسط صخب المفاوضات التي تديرها مصر برعاية دولية، تكشف الخلافات الجوهرية بين الأطراف عن عمق الفجوة بين ما تطالب به المقاومة وما تسعى «إسرائيل» لتحقيقه.
الطرف «الإسرائيلي» يبدو وكأنه يحاول إطفاء النار بوقود جديد، عبر تقديم طروحات غامضة تهرّباً من التزامات حقيقية، مثل قضايا الأسرى ورفع الحصار.
أما المقاومة، فهي تقف على أرضية صلبة، تمسك بزمام المفاوضات كأنها لاعب رئيسي، لا مجرد طرف ينتظر الحلول. مطالبها واضحة ومركزة: إنهاء الحصار وفرض ضمانات طويلة الأمد. وفي المقابل، يحاول الاحتلال اللعب على الوقت، لكن مع كلّ يوم يمرّ، يُدرك أكثر أنّ المقاومة ليست مجرد بندقية، بل قوة سياسية قادرة على تغيير قواعد اللعبة؛ وهو ما عكسته تصريحات المسؤولين «الإسرائيليين» بأنّ «إسرائيل» فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة في غزة، بما في ذلك القضاء على حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى.
ثانياً: «إسرائيل»… ربح غير متكافئ
رغم الدعم الدولي الذي تلقته «إسرائيل»، إلا أنّ أداءها الميداني والسياسي لم يحقق انتصاراً استراتيجياً. خلال أشهر الحرب بدت «إسرائيل» كمن يخوض معركة بلا أفق.
الانسحاب المحدود من المناطق المأهولة في غزة، مع استمرار التصعيد في مناطق أخرى، يُظهر عجز «إسرائيل» عن كسر إرادة المقاومة أو تحقيق أهدافها المعلنة.
الأزمة الحقيقية لـ «إسرائيل» كانت في استنزافها على عدة مستويات. على المستوى العسكري، لم تنجح في فرض معادلة ردع جديدة، بل على العكس، عادت المقاومة لفرض شروطها في ميدان المواجهة. أما على المستوى السياسي، فإنّ فشلها في تحقيق تقدم حقيقي يعكس ضعف استراتيجياتها طويلة الأمد.
وبالرغم من كلّ ما تعرّضت له غزة من قصف وحصار، أثبتت المقاومة أنها مثل طائر العنقاء الذي ينبعث من تحت الرماد. لم تكتفِ المقاومة بالصمود أمام آلة الحرب «الإسرائيلية»، بل نجحت في تحويل الضغط إلى فرصة لفرض شروطها على طاولة المفاوضات.
الرسالة كانت واضحة: لا وقف لإطلاق النار دون إنهاء الحصار وضمان حقوق الشعب الفلسطيني. ورغم استهداف البنية التحتية للمقاومة، بقيت معادلة الردع قائمة، بل وربما أقوى من أيّ وقت مضى. المقاومة لم تعد تُرى كقوة عسكرية فحسب، بل كطرف سياسي له مكانته، وقادر على تغيير موازين القوى في المنطقة.
أزمات «إسرائيل»… النار تشتعل من الداخل
على المدى القريب، قد تبدو «إسرائيل» وكأنها حققت مكاسب تكتيكية، لكن هذه المكاسب تخفي تحتها تحديات كبيرة . الانقسامات السياسية والاجتماعية داخل «إسرائيل» أشبه بشقوق في جدار هشّ، تجعل من الصعب عليها إدارة صراعات ممتدة. ومع التغيّرات الإقليمية والدولية، وصعود قوى مثل الصين وروسيا، وتراجع النفوذ الأميركي، بدأت «إسرائيل» تفقد غطاءها الدولي تدريجياً.
وفي الجانب المقابل أثبتت الوقائع انّ الصراع بين المقاومة الفلسطينية و»إسرائيل» ليس صراعاً يمكن حسمه بالصواريخ أو بالقنابل وحدها. إنه معركة إرادات، تتداخل فيها القوة العسكرية مع السياسة والتغيّرات الدولية. في هذه الجولة، خرجت المقاومة دون انتصار كامل، لكنها أيضاً لم تُهزم. وفي المقابل، ربحت «إسرائيل» مكاسب مؤقتة، لكنها لم تحقق أهدافها الكبرى.
المستقبل يبدو أكثر تعقيداً. “إسرائيل” تواجه أزمات على كلّ الجبهات، بينما المقاومة تُثبت يوماً بعد يوم أنها ليست فقط طرفاً صامداً، بل هي لاعب محوري في رسم ملامح المنطقة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى