أولى

«إسرائيل» الصغرى و«إسرائيل» المفيدة

 

بينما تتبلور صورة جديدة في الغرب تجاه مستقبل “إسرائيل” قوامها قراءة في نتائج الحرب الأطول في تاريخ هذا الكيان، والتي أتيحت خلالها لجيش الاحتلال ظروف وإمكانات وتغطية لا يمكن له أن يحلم بتكرارها، وخروج الكيان رغم كل ذلك بمكاسب محدودة تتمثل بالقضاء على قادة يمكن استبدالهم وعلى إمكانات عسكرية يمكن تعويضها، لكن بخسائر يصعب تعويضها أو استبدالها.
بنظر الكثيرين في الغرب وداخل الكيان، خسرت “إسرائيل” سمعتها العالمية كدولة ديمقراطية وجيش محترف وخسرت الاستقواء بصدارة المحرقة النازية، وهي اليوم صاحبة المحرقة المعاصرة وليست ضحيتها وجيشها يلاحق كجيش قاتل ومجرم وقادتها متهمون بجرائم حرب وجرائم إبادة، لكنها خسرت روح الجيش القتالية بدليل عجزه عن إسكات مقاومة غزة وعجزه عن التوغل في لبنان بوجه ثبات المقاومة، وخسرت فرصة التخلص من المقاومات التي اعتبرتها تهديداً وجودياً لا تضبطه اتفاقات، وعادت للقبول بحتمية التساكن مع هذه المقاومات عبر الحدود الشمالية والجنوبية.
خسرت “إسرائيل” فرصة إثبات إمكانية أن تكون يهودية وديمقراطية في آن واحد، عبر خطة تهجير الفلسطينيين واستعادة القدرة على احتلال الأرض، فسقطت “إسرائيل” الكبرى، وبدأ الحديث عن مفهوم لـ”إسرائيل” صغرى عبر حل الدولتين، ما يعني التخلي عن الضفة الغربية إضافة الى غزة والقدس الشرقية، مقابل جائزة بحجم التطبيع مع السعودية.
في كيان الاحتلال ليس هناك مَن هو جاهز لهذا المفهوم لـ”إسرائيل” الصغرى، والدولة الفلسطينية الوحيدة التي يمكن أن يقبل بها قادة الكيان، هي دولة على غزة، مقابل صك الموافقة على ضم الضفة الغربية، و”إسرائيل” الصغرى التي يتصرف على أساسها قادة الكيان اليوم، هي تلك الجغرافيا الممتدة بين حيفا وعسقلان، حيث يرفض مستوطنو غلاف غزة العودة ومثلهم يفعل مستوطنو الشمال، وهذه من تبعات العجز عن القضاء على المقاومة.
“إسرائيل” التي تضم ساحلاً بطول مئة كلم بين حيفا وعسقلان وبعمق 50 -60 كلم هي “إسرائيل” الواقعية والمفيدة الآن بمساحة 7 آلاف كيلومتر مربع، لكن حسم أمرها يحتاج السيطرة الكاملة على الضفة الغربية التي تمثل أكثر من ثلاثة أرباع مساحتها، ولذلك يضع جيش الاحتلال ثقله وسوف يفعل ذلك لشهور، من أجل إحكام السيطرة على الضفة الغربية وتحويلها الى مساحة تحت سيطرة المستوطنين.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى