نقاط على الحروف

هل انتهى زمن المقاومة؟

 

ناصر قنديل

 

يجري الترويج لسياق سياسي يحمل تسلسلاً يوحي بالمنطق، ويقول إن ثلاثة تغييرات كبرى تزامنت في الفترة الأخيرة، أولها أن الحرب الأخيرة كشفت أن لدى كيان الاحتلال قدرة تدمير هائلة لا يمكن تحمل تبعات الحرب معها، والتغيير الثاني هو ما شهدته سورية وتأثيره على التوازنات اللبنانية وخصوصاً الطرف الذي يتبنى المقاومة، والتغيير الثالث هو وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب بما يحمل من مفاجآت إلى البيت الأبيض، للقول إن تفادي المواجهة مع”إسرائيل” يمكن أن يتم ومعه الحفاظ على السيادة اللبنانية عبر الالتحاق بالمناخ العربي الدولي الجديد الذي فتح أمام لبنان فرصة التغيير عبر ما شهدته الانتخابات الرئاسية وما مثلته تسمية رئيس الحكومة. وهذا المناخ العربي الدولي تمثله مساعٍ ترتبط بالسعي للسلام والتطبيع على قاعدة ربط ذلك بقيام دولة فلسطينية، كما تقول السعودية ولا تمانع أميركا.

بصراحة شديدة تبدو هذه السردية مجرد رصف لأخبار ومحاولة تحويلها إلى تحليل وبناء استنتاجات بلا ركائز، وببساطة شديدة هل تجيب هذه السردية على كيفية التعامل مع التهديد الإسرائيلي، وهل تضع حداً لهذا التهديد، ومشهد سورية الجديد يقدّم لنا الجواب، حيث لا وجود لمقاومة، بل لا وجود لموقف سياسي يزعج خاطر بنيامين نتنياهو، حتى أن حكومة الشام الجديدة تجنبت الاعتراض على إعلان ضمّ الجولان وتأكيد أبدية ضمّ الجولان كما قال نتنياهو. وهذه الحكومة أزاحت نظاماً وجيشه قال نتنياهو إنه خطر على أمن “إسرائيل”، وأبعدت إيران وحزب الله من سورية، ونتنياهو يعتبر أنهما مصدر خطر على “إسرائيل” وأمنها، فهل كانت هذه المواقف كافية لتجنب التوغلات الإسرائيلية في الأراضي السورية، أم أن هذه التوغلات تعتبر بنظر أصحاب السردية مشروعة ومبررة وبالتالي ينصحون لبنان باعتماد هذه المنهجية السورية وقبول النتيجة ذاتها، بترسيم مدى جغرافي معين تريد “إسرائيل” فرضه كحزام لأمنها تتحرك فيه متى شاءت، والتزام الصمت طلباً للستر؟

إذا كان الجواب هو بعدم قبول التوغلات الإسرائيلية واعتبار اتفاق وقف إطلاق النار واتفاق الهدنة من خلفه ثوابت لا يجوز أن يقبل لبنان بالمساس بها، فما هي وسائل لبنان لترجمة عدم السماح بالمساس بها، فهل الغطاء العربي والدولي للدولة كافٍ لفرض احترام السيادة اللبنانية؟ وهنا يطرح السؤال، من مثال عشناه ونعيشه على مدى سنة وعدة شهور، فهل حمل لنا عبراً ودروساً حول حجم إقامة “إسرائيل” اعتباراً لحجم الرضا والغضب لدى شعوب الغرب والعرب وحكوماتها،. أما أميركا كجهة وحيدة تملك مفاتيح التأثير على القرار الإسرائيلي، فقد ظهر ما يكفي حول حجم مراعاة أي إدارة أميركية للمصالح والتوجهات الإسرائيلية أكثر من العكس، أما الحديث عن ربط الرهان بنجاح مسعى أميركي سعودي لا يزال مجرد نيات هلامية لإقامة دولة فلسطينية قرّر كيان الاحتلال بقانون صادر عن الكنيست اعتبارها خطراً على مستقبل “إسرائيل”، فهو دعوة لمنح “إسرائيل” فترة سماح لعقود لا نهاية لها من تشريع العدوان وامتهان السيادة، وفق شعار “انطور يا كديش ليطلع الحشيش”.

الدعوة الواقعية الوحيدة التي تملك قيمة هي تلك التي تقول إن لبنان يحمي سيادته فقط عبر امتلاك القوة، قوة تكون الدولة أساساً فيها ولو احتاج إلى الوقت لبناء هذه القوة، وتكون المقاومة قوة يعرف الاحتلال حجم قدرتها على القتال وما تملك من مقدرات، هذا يستدعي الانطلاق من الإقرار بأن ما جرى خلال هذه السنة كبير جداً وغير قابل للتجاهل ويستدعي الدراسة والتأمل واستخلاص العبر والدروس، حيث تقتنع الدولة وتقتنع المقاومة بأن عليها إعادة صياغة علاقة جديدة على قواعد جديدة تتيح للدولة أن تكون المسؤول الأول عن حماية السيادة الوطنية، وأن تقف المقاومة خلفها، ضمن صياغة جديدة بدا أن اتفاق وقف إطلاق النار هو ترجمة لبداية موفقة نحوها، وهي تحتاج الاستكمال، لكن هذا الاستكمال مستحيل إلا في جو هادئ من الثقة المتبادلة، جوهرها أن يقول الرئيسان جوزف عون ونواف سلام لمن يحوّلون بعبدا والسراي إلى متاريس لاستهداف المقاومة، إن العهد والحكومة هما عهد وحكومة تنفيذ القرار 1701 وليس القرار 1559.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى