نقاط على الحروف

بيان مكتب نتنياهو ( تحليل نص)

 

ناصر قنديل

 

حملت الأيام القليلة الماضية منشورات تنسب لحكومة الاحتلال مرة ولجيش الاحتلال مرة وتتولى صحف عبرية نشرها مرة مثلما فعلت معاريف أو تصدر عن هيئة البث الإسرائيلية، وكلها تدور حول نقطة محورية واحدة عنوانها أن جيش الاحتلال لن ينفذ الانسحاب النهائي والشامل الى ما وراء الخط الأزرق، كما ورد في اتفاق وقف إطلاق النار، وتراوحت الأسباب بين صيغة أولى تقوم على الإشارة إلى مواقع لا يمكن لجيش الاحتلال مغادرتها نظراً لأهميتها الأمنية. وهذا يعني تجاوز مسألة المهلة إلى إعادة النظر بمبدأ الانسحاب الشامل من حيث المبدأ واتخاذ قرار بتوسيع دائرة الأراضي المحتلة إضافة للمناطق التي يطالب بها لبنان خارج الخط الأزرق. ومقابلها صيغة ثانية تقوم على ربط تمديد المهلة شهراً أو شهرين بترتيبات ومهام أمنية ولوجستية غير محددة لم تنجز وتحتاج إلى المزيد من الوقت لإنجازها. والصيغتان تمنحان الاحتلال حقاً من خارج نص الاتفاق، يقوم عبره بتقدير من أين ينسحب ومن أين لا ينسحب، ويقوم عبره أيضاً منفرداً بوضع شروط تحديد مهلة الانسحاب.

أعلن عن دعوة للمجلس الوزاري المصغر أول أمس، لمناقشة مسألة الانسحاب من جنوب لبنان خلال مهلة الستين يوماً في ضوء اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، كما ورد في الإعلان، ثم بعد ساعات قيل إن الاجتماع يعقد عشية موعد تبادل الدفعة الثانية من الأسرى، ثم تم الاجتماع ولم يصدر شيء عنه حول الانسحاب أو تأجيل موعده. ونشر الإعلام العبري بعدها أنه لم يكن هناك مشروع قرار بهذا الصدد أمام المجلس الوزاري المصغر لمناقشته. ثم جاء بيان صادر عن مكتب بنيامين نتنياهو يوم أمس، يعلن عدم التقيد بموعد الانسحاب من جنوب لبنان، وفق صيغة تستحق القراءة بهدوء، حيث أعلن ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية، أن “انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان سيستغرق أكثر من 60 يوماً لأن اتفاق وقف إطلاق النار لم يطبق بالكامل من قبل لبنان”. وشدد على أن “عملية الانسحاب التدريجي من لبنان ستتواصل بالتنسيق الكامل مع الإدارة الأميركية”، مشيرة إلى أن “الانسحاب من جنوب لبنان مشروط بانتشار الجيش اللبناني وانسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني”.

يتضمن النص إقراراً باعتبار اتفاق وقف إطلاق النار ومهلة الستين يوماً إطاراً ملزماً لحكومة وجيش الاحتلال، وعدم إيراد أي نص يوحي بالتنصل من الاتفاق أو السعي لتعديله واقعياً، أو اتخاذ موقع ينشئ مزاعم وحقوق تتيح تحديد أولويات تفوق قيمة نص الاتفاق، مثل ربط البقاء بالحديث عن مهام أمنية لم تكتمل أو أسباب لوجستية تحتاج إلى وقت، أو نيات بالبقاء في مناطق لها أهمية أمنية. فالحجة الواردة لعدم التقيد بالمهلة تقليدية جداً في نماذج الإخلال بالاتفاقات، وهي اتهام الطرف الآخر بعدم التقيد لتبرير عدم التقيد بالمثل، والبيان يقول ببساطة إن “الانسحاب من جنوب لبنان مشروط بانتشار الجيش اللبناني وانسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني”.

هذا يعني عملياً أن الاحتلال لا يملك ما يتيح له التصرف بما يضع الاتفاق موضع الخطر، بما يعني أن قيادة الكيان تقيم حساباً يلزمها بإعلان البقاء تحت سقف الاتفاق، والحساب لا يتصل إطلاقاً بموقف أميركي أو عربي أو دولي لأنها تدرك أن لا مشكلة لديها في التعامل مع الموقف الأميركي والدولي والعربي، بدليل ما تفعله في سورية ولا تقيم فيه لأحد حساباً، ولا تنتظر ذريعة لفعله واتهام حكومة دمشق الجديدة بفعل أي شيء يؤذي الأمن الإسرائيلي، وحكومة دمشق الجديدة لم تفعل إلا ما قدّم خدمات استثنائية لجيش الاحتلال بإنهاء نظام كان يلعب بالنار كما قال نتنياهو، وإبعاد إيران وحزب الله من تهديدات جدية للكيان، وقطع طريق إمداد حزب الله، ولم تشعر قيادة الكيان أنها معنية بتقديم إيضاحات لأحد لتبرير ما تفعل، لذلك لا يبدو ربط موقف نتنياهو بالالتزام بالاتفاق ورمي تهمة مخالفة الاتفاق على الجانب اللبناني، إلا تعبيراً عن الخشية من أن يترتب على إعلان الخروج من الاتفاق وإسقاطه إلى عودة المواجهة مع حزب الله. والخلاصة الأهم هنا هي أن خيار العودة إلى الحرب لا يزال مستبعداً بالنسبة للكيان.

هذا يعني أن الكيان الحريص على المزيد من صور القوة واليد العليا منذ إعلان وقف إطلاق النار، وطريقة التصرف في قرى الجنوب الأمامية طيلة مهلة الستين يوماً، يوظف موعد نهاية المهلة في الاتجاه ذاته، صورة القوة واليد العليا، وسوف يحاول بعدما فتح باب التفاوض حول الإجراءات مع الجيش اللبناني، وترتيبات انسحاب حزب الله من جنوب الليطاني، الحصول على مكاسب معلوماتية، وطرح مطالب تحقق أمنية، تجدد منحه صورة القوة واليد العليا وربما تحقق له مكاسب محددة إضافية، لكن على قاعدة إدراك أن لا مصلحة بفتح الطريق للعودة إلى الحرب. ولعل الأهم هو ما تضمنه بيان نتنياهو من حسم للنقاش حول موجبات حزب الله في الاتفاق مقابل لإنجاز الانسحاب الإسرائيلي، والجواب في بيان نتنياهو هو “انسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني”، وليس سحب سلاحه، كما تقول جماعة حزب “إسرائيلي أكثر من إسرائيل” في لبنان، أو جماعة “ليس ضرورياً أن تكون يهودياً كي تكون صهيونياً”، لصاحبهما جو بايدن؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى