يوم العودة الى الجنوب… التحرير الثالث يؤكد أنّ الأرض لأهلها والاحتلال إلى زوال
حضَرت أطياف الشهداء ومدّ السيد يدَه ليعبُر شعبه إلى القرى الأمامية / أحرار الوطن يوثقون التقارير الحياتية والولاء المطلق لنهج المقاومة والمواجهة
عبير حمدان
مدّ لهم يده فعبروا إلى حيث ينبتُ الوطن عزاً وصموداً، وكأنه ينتظرهم على مشارف القرى الحدوديّة ليتلو خطاب النصر، وقوله الفصل “يا أشرف الناس” وهم فعلاً الأشرف والأنقى والأصدق والأقوى من كل القرارات الأممية الفارغة ومن المجتمع الدولي المدّعي والموغل في سفك الدماء البريئة على امتداد أرضنا المحتلة.
كان السيد حاضراً مع العائدين إلى بيوتهم المهدَّمة وعلى أرض الجنوب لاقاهم البقاعيّون لاحتضان أبناء لهم اختاروا السير على درب الشهادة درءاً عن الوطن، كل الوطن، بعيداً عن الانقسامات السياسية التي يريدها دعاة “السيادة” المنقوصة والشكلية.
وحضرت أطياف الشهداء أيضاً تحت كل شجرة وعند كل مصطبة من الناقورة إلى عيتا والعديسة وكفركلا والطيبة والضهيرة ومركبا والخيام وكفرحمام وكفرشوبا وشبعا وحولا وعيترون والجبين وحانين وعلما الشعب وشمع وكل القرى الجنوبية يقيناً منهم أن أرواحهم باقية لتحرس التراب المقدّس..
هنا يتشكل الزمن ويعود بنا إلى التحرير الأول عام 2000 وما سبقه في أرنون 1999 بسواعد جيل كبر وعلّم من لم يعلم كيف تُصان، ويطلّ تموز 2006 بنصره ليخبرنا عن بندقية لا تستكين أمام العدوان وجبهات لا تلغيها الغارات الكونية وسيّد هزم العدو باستشهاده ليكتب أبناؤه التاريخ على إيقاع الانتصارات مهما حاول البعض قلب المشهد وفق تبعيّته وسعيه للتصويب على المقاومة.
نحتاج إلى الكثير من الحبر لنكتب عن وجوه مشعة ودموع مخبّأة وأب وجد جثمان ابنه بعد انتظاره الطويل وأم رفعت الصوت في وجه “الميركافا” دون ارتجاف وانصهار شعبيّ مع عناصر الجيش اللبناني الذي دخل مع الأهالي الذين نزعوا الأسلاك بالأيادي العارية ولم يكترثوا لأصوات المسيّرات ولا لتجمع جنود العدو الذي تراجع أمام سيل المواكب البشرية العائدة إلى قلب الوطن.
أمس، أثبت الجنوبيّون أن الحرية لا يتمّ استيرادها وأن المقاومة أسلوب حياة لا بل أنفاس تتصاعد وأرواح لا تنكسر ورايات خفاقة في وجه الريح..
أمس، أثبت شعب المقاومة الولاء المطلق لنهج المواجهة، لم تثنه السواتر الترابية والخروق العدوانية التي استمرت على مدى ستين يوماً والتدمير الممنهج للقرى الأماميّة والتهديدات والوعيد عن المضي قدماً ليدحروا المحتل الذي ولّى هارباً أمام خطوات أمهات وأباء وأبناء الشهداء والجرحى..
أمس، جمع الجنوب كل الوطن من الشمال والبقاع والجبل والضاحية وفرض الواقع على جميع وسائل الإعلام مواكبة يوم العودة التاريخيّ ولو أتت التغطية متفاوتة. وحدهم أحرار الوطن مَن يوثقون التقارير الحياتية التي تتفوق على بعض الروايات الإعلامية القائلة أن الدبلوماسية أمضى من السلاح.
جبور
أكدت نقيبة الإعلام الالكتروني الزميلة رندلى جبور أن فعل التحرير تقوم به المقاومة بشقها الشعبي والعسكري حين تغيب الدولة، واختصرت المشهد بأن أهل الجنوب وحدَهم مَن يحرّر ومَن يصنع التحرير الثالث ومن كان ضد المقاومة لم يفعل شيئاً إنما اكتفى بالتصويب على المقاومة سواء خلال الحرب أو في فترة الهدنة أو بعدها.
وكان لجبور موقف مختصر كتبته على صفحتها وسمحت لنا أن نستعيره، حيث قالت: “الحياة وقفة في الجنوب فهناك العز… رحم الله السيد حسن نصر الله وكل الشهداء وبارك بأسياد الأرض وسيداتها”.
خليفة
رأى المهندس قاسم خليفة أن السادس والعشرين من كانون الثاني يوم مجيد، وهو الذي بقي طوال أيام العدوان في الجنوب برفقة والده التسعينيّ، وعن يوم العودة قال: “عدنا، بل بقينا، نحن أهل الجنوب سطّرنا البطولات والصمود رغم أنف الحاقدين قهرنا من لا يُقهر. فرضنا وقف النار. على العدو كل هذا كان من الماضي منذ شهرين، أما اليوم وما أدراك ما 26/1/2025 إنه اليوم المجيد، اليوم الموعود عاد من اضطرّ على ترك بيته وأرضه”.
وأضاف: “عاد من يبحث عن أشلاء أبنائه. عاد الجنوب إلى الوطن بل عاد الوطن إلى الجنوب، قدمنا الشهداء والجرحى وهذه عادة لنا واليوم ليعذرني أبناء الوطن إذا ما اعتبرت أن المعادلة تغيّرت لتصبح “مقاومة وجيش وشعب”. في الجنوب الآن عرس جديد من أعراس الوطن، ولكن للأسف هناك من لا يعترف بانتماء أهل الجنوب إلى الوطن، وهذا ليس بجديد ونحن أهل الجنوب تعوّدنا على ذلك”.
وتوجّه خليفة بالشكر إلى كل مَن دعم الجنوبيين، فقال: “نشكر مَن دعمنا وساندنا ونحن نرى الوفود القادمة اليوم من البقاع الجريح والضاحية الأبية إلى الجنوب وننتظرهم لنشكرهم على ما قدّموا ونقول لهم إنهم منا ونحن منهم وسنبقى سوياً حتى تحرير كل شبر من أرضنا من المحتل وأتباعه”.
وسأل خليفة عن السياديين الذين لم يرَ منهم أحداً في الجنوب وكذلك الإعلام “المعتدل” الذي كان يرسم خارطة طريق للعدو طوال أيام الحرب”.
وأكد خليفة أن أبناء الارض لا يمكن أن يتخلوا عن ذرة تراب واحدة. ودعا الجميع أن يتعلموا الوطنية من أهل الأرض الذين ينتظرونهم في القرى الأمامية على طول الحدود مع فلسطين المحتلة.
ليختم خليفة “بأن الحياة وقفة عزّ”.
بزي
اعتبر الزميل أكرم بزي أن ما جرى اليوم هو تتميم لانتصار غزة، كما وعد سيد شهداء الأمة، واليوم تحقق النصر على أرض الجنوب بالمشهديّة التي رآها كل العالم مما يؤكد أن المسار المقاوم متواصل، وفي طريقه إلى بنت جبيل كتب بزي اختصاراً لكل التضحيات فقال:
“توضأ واخلع نعليك وادخل
ففي كل كومة رمال جبال
رفعت على أكتاف الرجال”.
علاء الدين
أمام منزله المتضرر في بلدة كفرحمام وقف الممثل والشاعر سليم علاء الدين وقال:
” يا بَيْتنا لْواقِفْ بِوِجّ الشَّمْسْ
عَمْ بِسْمَعَكْ لِلضَّوْ شو قايِلْ
مْخَبّي لْحَكي بِقْلامْ
وْبِكْفَرْحَمام مْخَرْطشو بِالْهَمْسْ
وْعَا قَدّ مَ هْموم الدّني شايِلْ
حْكيتو شِعِرْ بِخَلِّة مْخايِلْ”
كل الفخر بانتمائنا لتلك الأرض السمراء البطلة المقاومة وكل التحيات للمرابطين المقاومين في فلسطين ولبنان، أما أصوات النشاز التي تحاول اللعب على الوتر الطائفي وغيره لا قيمة لها. الله يرحم الشهدا والحمد لله على سلامة العائدين والله يعوّض على الجميع”.
وكان علاء الدين قد تفقد بلدته ومنازلها المدمرة وجال في القرى المجاورة، وأخبرنا أنه قام بقرع الأجراس في الكنائس احتفالاً بالعودة.
بيضون
من جهتها وصفت الزميلة وفاء بيضون المشهد بالأسطوري، وقالت: “لا يمكن اختصار ما شهده الجنوب اليوم بكلمات إنه مشهد أسطوريّ، وشعور الفخر والاعتزاز كبير، يمكن أن نرى فيه تحرير العام 2000 ونصر عام 2006 وكذلك ندرك من خلاله درب القدس وتأكيداً على نصر غزة ايضاً، ورغم حجم الدمار في القرى الحدوديّة يبقى الصمود هوية أهل الأرض وسيكتب التاريخ أن دماء الشهداء أزهرت وطناً حراً لأجيال قادمة ستدرك قيمة التراب الممتزج بالكرامة والعزّ”.
زين الدين
“اليوم تحقق الانتصار الكبير”، هكذا عبرت فاطمة زين الدين التي عادت الى “عيتا” لتفقد البيوت والأزقة وزين لم تنكر حجم الدمار، ولكنها تؤكد أهمية البقاء في القرى الأمامية. وهذا ما فعله الأهالي الذين رسخوا وقف إطلاق النار حين عبروا السواتر الترابية واستقروا في بيوتهم أو ما تبقى منها.