ارتقاءُ شهداء وجرحى والاحتلال يتراجعُ مُرغَماً من عشرات المدن والقرى / الجنوبيّون تدّفقوا إلى بلداتهم الحدوديّة تتقدّمهم راياتُ المقاومة وصوَر الشهداء
يومٌ تاريخي لبناني وطني وسيادي حقيقي بامتياز، كرّسه أمس الجنوبيّون الذين تدفّقوا منذ فجرِ الأحد وطيلة نهاره إلى قراهم وبلداتهم الحدوديّة التي كانت ما زالت محتلّة من قِبل جيش العدوّ “الإسرائيليّ” ضارباً بعرضِ حائط همجيّته وعنجهيّته الرعناء المعهودة، اتفاقَ وقفِ إطلاق النار المعلَن في السابع والعشرين من شهرِ تشرين الثاني الماضي الذي ألزمَ العدوّ بالانسحاب من الأراضي التي احتلّها إبّان حربه الأخيرة ضدَّ لبنان.
وبدلَ الانصياعِ للاتفاق الذي طلبَه هو بنفسه بعدما عجزَ عن تحقيق أهدافه بواسطة الحرب وأبرزها إعادة مستوطني المغتصَبات في شمالي فلسطين المحتلّة، استغلَّ التزامَ حكومة لبنان والجيش اللبنانيّ والمقاومة بوقفِ إطلاق النار لمدّة 60 يوماً كمهلة لانسحاب جيش العدوّ من لبنان، ليوسِّعَ من رقعةِ احتلاله إلى عشرتِ القرى والبلدات التي فشل باحتلالها عسكريّاً ومارسَ خلالَ 60 يوماً، ذروة إجرامه الشنيع من خلال عمليّات تفجيرٍ عنيفة واسعة للمنازل والمباني بعد نهبها وخطفِ مواطنين أبرياء في القرى المحتلّة التي محا بعضها من الوجود كعديسة وعيتا الشعب وكفركلا وغيرها.
وإنْ كانت عودةُ الجنوبييّن العزَّل بمواكبةٍ من الجيش اللبنانيّ، صُبغت بدم شهداء وجرحى جدُد ناهزَ عددُهم المئات، فقد حرّرَت هذه العودة معظم القرى المحتلّة باستثناء قريتين وتلّة، كما ترسَّخت ثلاثيّة الجيش والشعب والمقاومة بعد امتزاجِ دماء الشهداء والجرحى من الأطراف الثلاثة على أرضِ الجنوب الطاهرة. وبذلكَ فشلَ ثاني أهداف مخطّط العدوّ بكسرِ المعادلة المذكورة من خلال سعيه لزرعِ الشقاق بين المقاومة وشعبها والجيش.
فقد تحدّى الجنوبيّون قوّات الاحتلال الصهيونيّ وداعميه وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركيّة وبعضُ الغرب، وتدّفقوا كالموجِ الهادرِ غيرَ عابئين بقدرات العدوّ العسكريّة التدميريّة وإجرامه الوحشيّ، إلى قراهم المتاخمة لفلسطين المحتلّة، رافعين رايات المقاومة وصور الشهداء وفي مقدّمهم الأمين العام لحزبِ الله السيّد الشهيد حسن نصرالله، محقّيق الانتصار الثالث على العدوّ الصهيونيّ بعدَ انتصارَي عامي 2000 و2006. وأكّد الأهالي أنَّهم لم ولن يتخلّوا عن خيار المقاومة، وهم اليوم يؤكّدون خياراتهم التي سلكوها وسيسلكونها مهما كانت التضحية.
وخلال دخول الأهالي إلى بلداتهم، ردّدوا شعارات مؤيِّدة للمقاومة، متحدّين تحذيرات جيش الاحتلال. وأصرّوا على الوصول إلى مناطقهم، حيث اجتازوا حواجز الجيش اللبنانيّ ودخلوا، رجالاً ونساءً وأطفالاً، إمّا عبرَ السيّارات أو سيراً على الأقدام لمسافات تفوق الثلالث كيلومترات، حيث واجهتهم قوّاتُ الاحتلال “الإسرائيليّ” بإطلاق نار أدى إلى سقوطِ عددٍ من الشهداء والجرحى، بينهم عسكريّ في الجيش اللبنانيّ.
ولم تمنع العوائق أهالي بلدات طلوسا، مركبا، وبني حيّان من الاحتشاد في وادي السلوقي منذ الفجر، والانطلاق من هناك إلى بلداتهم التي أمعنَ الاحتلالُ في العدوان عليها خلال فترة الهدنة.
وأفيدَ من بنت جبيل بأنَّه بعد اتصالاتٍ كثيفة ومواكبة لإرادة الأهالي وإصرارهم على دخول جميع القرى الحدوديّة بالرغمِ من التضحيات، صدرَ قرارٌ بالتنسيق بين رؤساء البلديّات والجيش اللبنانيّ وفاعليّات بالدخول إلى عيترون ويارون وبليدا صباحَ اليوم الإثنين مع بقاء الأهالي عندَ تخوم هذه البلدات. كما أعلنَ أهالي كفرشوبا أنّهم سيعودون اليومَ إلى بلدتهم. وقرَّر عددٌ من أهالي القرى نصبَ خيمٍ فوقَ ركامِ منازلهم المدمَّرة للمبيتِ فيها.
وعُلمَ أنَّ قوّات العدوَّ ما زالت في قريتيّ البستان ومروحين وتلال اللبّونة بعدما تراجعت مرغمةً في عشرات القرى.