هل كان لدى أحد خطة لفرض الانسحاب؟
ناصر قنديل
– هذا وقت للصراحة والتحدّث بدون لف ودوران أو مواربة مع كل الذين يمدحون الآن التحرك الشعبي الشجاع في الجنوب، ويريدون تمييزه عن المقاومة وسلاح المقاومة، والقول بعدم تأثير ما جرى على مواقف هؤلاء من انتصار المقاومة وإصرارهم على هزيمتها، وهم أنفسهم الذين دأبوا خلال الستين يوماً من عمر اتفاق وقف إطلاق النار على تسخيف كل كلام عن ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، وتسخيف أي دور للمقاومة، والمساجلة لترويج معادلة تغير الوضع الدولي والإقليمي بصورة تتيح حماية لبنان دون المقاومة، التي صارت وفق هذه المتغيرات حسب رأي أصحابها عبئاً على أهل الجنوب وأمنهم.
– بدون مواربة ولف دوران، الشعب الذي تتحدّثون عنه في الجنوب و تفصلونه عن المقاومة، هو جزء من شعب الجنوب، له هوية معلنة واضحة ترويها الأعلام المحمولة بمعدل علم لكل مواطن يحمله بيمينه، وصورة شهيد لكل مواطن يرفعها بيساره، والعلم هو علم حزب الله والصور لشهداء حزب الله. وهذا البعض من الشعب هو أسر شهداء حزب الله، الذي يؤمنون حتى نخاعهم الشوكي والى حين انقطاع النفس بالانتماء الى المقاومة والتمسك بسلاحها.
– لا نورد هوية المتظاهرين لنقول إن مدحهم يوجب احترام معتقدهم بالمقاومة والسلاح أو أخذه بالاعتبار على الأقل، بل لطرح السؤال، لو لم تتم هذه المبادرة الشعبية المتشبعة بثقافة حزب الله ومقاومته ودماء شهدائه، هل كان المشهد الجنوبي سوف يشهد ما شهده من تداعيات، تمثلت بتفاعل الجيش إيجاباً مع هذه الانتفاضة الشعبية وما رافقها من تضحيات بسقوط مئة مواطن جنوبيّ بين شهيد وجريح، فانتقل الجيش من إقفال الطرق أمام المنتفضين إلى التغاضي عن عبورهم انتهاء بالانضمام إليهم، كما تقول حالة ميس الجبل على سبيل المثال. ثم تفاعل المستوى الرسمي على مستوى رئيس الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة المستقيلة والرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة ووزارة الخارجية وقيادة الجيش وقيادة اليونيفيل، لانطلاق ورشة عمل سياسية ودبلوماسية استهدفت عواصم العالم والعاصمة الأميركية خصوصاً للاستقواء بالموقف الشعبي والتحذير من مخاطر خروج الأمور عن السيطرة، واعتبار المخرج الحكيم الوحيد تسريع انسحاب جيش الاحتلال من الجنوب دون ألاعيب الحاجة للبقاء؟
– إذا كان ثابتاً أن ديناميكية جديدة تتصل بفرض التطبيق الدقيق لاتفاق وقف إطلاق النار وإلزام الاحتلال بالانسحاب، قد انطلقت بفضل هذه الانتفاضة الشعبية، فهل كان لدى الدولة والأحزاب والقيادات التي ترفض المقاومة وتتحدّث عن نهاية دورها، خطة بديلة لإطلاق مثل هذه الديناميكية، وما هي هذه الخطة؟
– إذا كانت هذه الديناميكية الجديدة هي الخيار الوحيد الذي وجد فوق الطاولة لتحريك قضية تطبيق أمين لاتفاق وقف إطلاق النار، وإذا كانت هذه الديناميّة من صناعة واحدة من الهيئات الشعبية في حزب الله، تمتلك الروح الاستشهادية لمقاتلي المقاومة وتستلهم بسالتهم، فهل ينسجم التسليم بذلك مع الحديث عن مطالبة حزب الله بالتقاعد من مقاومته والتخلي عن التصرّف كمسؤول عن إخراج الاحتلال وترك ذلك على عاتق الدولة؟
– ماذا تقول المقارنة بين برودة التعامل الرسمي والدولي المعني باتفاق وقف إطلاق النار، خلال ستين يوماً من تطبيق وقف إطلاق النار، وهيمنة العبث الإسرائيلي التخريبي والإجرامي بخلاف نصوص الاتفاق، وبين يوم واحد من الديناميكية التي أدخلها تدخل حزب الله على الخط، بصورة أربكت الإسرائيلي ودفعت صانع السياسة الأميركية والفرنسية للتحرك مجدداً؟
– ما دامت تجربة الستين يوماً من وقف إطلاق النار قد قالت إن الإسرائيلي لن ينفذ الاتفاق بنزاهة وسيضع ثقله للعبث ببنوده وفرض تفسيرات مجحفة بحق لبنان كأمر واقع إلا إذا جوبه بأمر واقع أشدّ يسبب له الإحراج والارتباك، كمثل ما جرى أمس، وأن الدولة لا تملك ما يحقق ذلك، والخارج المعنيّ موزع بين مَن لا يملك ومَن لا يريد، فما هي المصلحة بالتسرّع للتبرّع بطمأنة الإسرائيلي بأن هناك اتجاهاً لبنانياً لإنهاء أمر سلاح المقاومة، والإسرائيلي يصرّح بأن تطبيقه للاتفاق مشروط حصرياً “بانتشار الجيش اللبناني وانسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني”، كما صدر عن مكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أول أمس؟