الكلمة الفصل

طوفان الجنوب: إرادة مقاومة تسقط أوهام العدو

 

معن حمية

 

حدّد إعلان وقف إطلاق النار بين لبنان والعدو الصهيوني مهلة ستين يوماً لانسحاب جيش الاحتلال إلى جنوب الخط الأزرق. وتضمّن الإعلان تشكيل لجنة مراقبة ترأستها الولايات المتحدة الأميركية وتضمّ في عضويتها فرنسا والأمم المتحدة لتشرف على وقف إطلاق النار وتنفيذ مضمون الإعلان.
بالرغم مما اتفق عليه، احتلّ العدو الصهيوني عدداً من القرى والبلدات في جنوب لبنان لم يستطع احتلالها خلال فترة الحرب. ونفذ مئات الاعتداءات، على مرأى لجنة المراقبة ومسمعها، فيما قابل ذلك التزام لبنان ومقاومته بتنفيذ مضمون الإعلان.
مجريات الستين يوماً التي تلت الإعلان المذكور، شهدت تصاعداً في وتيرة العدوانية الصهيونية. عدوانية ضربت عرض الحائط إعلان وقف النار، ولم تلجمها لجنة المراقبة والإشراف على التنفيذ. وهذا ما جعل العدو يراكم من أوهامه بإمكانية استمرار احتلاله، مسقطاً من حساباته، إرادة أهل المناطق الجنوبية وتشبّثهم بأرضهم، وعناصر قوة لبنان، التي رغم رغبة البعض بضعفها، لا تزال قوية وفاعلة ومكتملة الأركان، شعباً وجيشاً ومقاومة.
لقد قرأ العدو خطأً التزام لبنان ومقاومته بإعلان وقف إطلاق النار. وانساق للبروباغندا الإعلامية والسياسية التي نفذتها جهات ووسائل إعلام تزعم ضعف المقاومة وانتهاء معادلة الردع، وإرادة الدفاع عن الأرض ومقاومة الاحتلال. وهذه القراءة المغلوطة المصحوبة بدعم ورعاية أميركية ـ غربية، جعلته ينفذ “بروفا” استمرار احتلاله للعديد من القرى والبلدات. لكنه بانتهاء مهلة الستين يوماً فوجئ بطوفان أهلنا أبناء مناطق الجنوب اللبناني، في مواكب العودة إلى بيوتهم. فازداد غطرسة وعدواناً، وقتل وجرح العشرات منهم، وهم عزّل إلا من إرادة الثبات والصمود والكرامة والعز والعنفوان.
أوّل غيث الانتصار الذي شكّك فيه الجاحدون، هو مشهد العائدين إلى قراهم، يفترشون ركام منازلهم، مؤكدين أنّ هذه أرضنا وسنحيا عليها بعز وكرامة. نفتديها بكلّ ما أوتينا من إرادة وبأرواحنا، ولا تستطيع قوة في هذا العالم أن تبدّل في قناعاتنا وخياراتنا. فنحن أهل هذه الأرض، وأهل المقاومة التي لا تنام على ضيم الاحتلال. فاليوم هو موعد مناطقنا التي نعود إليها، وغداً مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وكلّ الأجزاء التي يحتلها العدو.
وأوّل غيث الانتصار، أنّ عناصر قوة لبنان، التي نعاها ضعاف النفوس، ظهرت في المشهد الجنوبيّ، راسخة قوية ومتينة. فالعائدون إلى قراهم، يدركون جيداً أنّ سندهم مقاومة ظافرة، وعضدهم جيش أبيّ، وهذه هي الثلاثيّة التي لم ولن تزول.
ما بعد مشهد الجنوب اللبناني ليس كما قبله، فهذا مشهد تشكل على مدى خمسة عشر شهراً من المواجهة، ومهره كان شهداء عظاماً وتضحيات جساماً ومعاناة وآلاماً. وكلّ شعب يقدّم الدماء بغزارة دفاعاً عن أرضه وكرامته، هو شعب منتصر لا محال.
على هذا المشهد الكبير، تترسّخ معادلات القوة والإرادة، والحاجة الماسّة إلى انتظام الخطاب السياسي اللبناني وفقاً للمصلحة الوطنية العليا، وليس وفقاً لرغبة بعض الأفراد الذين يمنّون النفس بوطنيّات وهميّة قوامها فدراليات طائفية ومذهبيّة. وهنا لا بدّ من الإرادة السياسية الرسمية أن تفعل فعلها، فبعد انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس لتشكيل الحكومة، المطلوب هو حكومة وحدة وطنية تضع في رأس سلّم أولوياتها الدفاع عن لبنان وحماية سيادته وكرامة اللبنانيين، وإعمار المناطق المدمّرة نتيجة العدوان الهمجيّ الصهيونيّ. ووضع القوانين التي تضمن وحدة البلد وفي مقدمتها قانون عادل للانتخابات النيابية يكفل تشكيل مجلس نيابي يعبّر عن إرادة اللبنانيين.

*عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى