أولى

أيام بمعانٍ متعددة…

 

معن بشور

 

لم يحقق «اليوم التالي» لوقف حرب الإبادة على غزة المجاهدة ما كانت تل أبيب تطمح الى تحقيقه من هذه الهدنة، لا سيّما في إثارة انقسامات داخل الصف الفلسطيني او للسماح لقوات غير فلسطينية بالدخول الى غزة باسم مراقبة وقف إطلاق النار…
كما لم يحقق «اليوم التالي» لسريان اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، أيّ اليوم الـ 61، ما كان يطمح اليه نتنياهو بكسر إرادة المقاومة في لبنان وتكريس سردية خسارتها في حرب الستين يوماً حين لم يستطع العدو ان يتقدّم سوى بضع كيلومترات في الحافة الحدودية للبنان مع فلسطين المحتلة…
لقد كان «اليوم التالي» في غزة يوماً فلسطينياً بامتياز، لا لأنه أظهر انّ حركة حماس وفصائل المقاومة ما زالت بخير، وانّ الآلاف من المقاتلين قد خرجوا الى الشوارع مؤكدين جهوزيتهم لمواجهة كلّ طارئ فقط، بل أيضاً لأنه أظهر القيم الأخلاقية والإنسانية العالية التي تحلى بها المقاومون الفلسطينيون من خلال معاملتهم للأسيرات «الإسرائيليات» اللواتي خرجن بمظهر معاكس للمظهر الذي خرجت به الأسيرات الفلسطينيات، وفي مقدّمهم المناضلة الكبيرة وعضو المجلس التشريعي وعضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خالدة جرار التي أنهكها السجن لسنوات في ظلّ معاملة تفتقر الى الحدّ الأدنى من الشروط الإنسانية…
لكن الأهمّ من هذا كله، أنّ «اليوم التالي» في غزة وفي لبنان قد كشف بوضوح حجم تهافت الأوهام التي حاول نتنياهو وحلفاؤه والمراهنون عليه تسويقها وهي أنّ حماس والمقاومة في غزة قد هزموا وخسروا 80% من قواهم، وأنّ حزب الله قد أصيب بمقتل في هذه الحرب لا سيمّا أنّ خسائره القيادية والعسكرية والعمرانية لم تكن قليلة…
وكما كانت تل أبيب ومعها الداعمون والحلفاء والمراهنون عليهم في منطقتنا يبنون من أوهامهم بالنصر أحلاماً فقد استفاقوا على جملة حقائق، أوّلها أنّ المقاومة لا تهزم، وان إرادة المقاومة في امتنا لا تنكسر، وأنّ المثل الصيني المعروف مثل صحيح حين يقول «الضربة التي لا تميتني تزيدني قوة»، بل انّ الخسائر التي أصابتهم هي بسبب أخطاء في التكتيك والعمليات وليس أخطاء في الرؤية والتقدير الاستراتيجي، ولعلّ أبرز خطايا العدو كان تعنّت الصهاينة بالإصرار على تمديد مهلة الستين يوماً، متجاهلين ماذا يمكن ان يكون الردّ اللبناني، عليها شعباً وجيشاً ومقاومة، وقد تصرفوا جميعاً وبهذه القوة، وبهذه السرعة، وبهذه الشجاعة التي يكفي منها ما رآه انّ العالم كله في صورة تلك المرأة الجنوبية، وهي أم شهيد، تفتح ذراعيها أمام دبابات العدو وتقول لهم «أطلقوا النار» مرددة ما قاله كثيرون غيرها: «إنّ ارواحنا ليست أغلى من روح شهيد الأمة سماحة السيد حسن نصر الله»…
لكن الخطيئة الأكبر التي تعبّر عن انفصال كبير عن واقع شعبنا في فلسطين ولبنان وكلّ الأقطار العربية، فهي اتصالات الرئيس الأميركي ترامب في بداية ولايته بالحكام العرب، لا سيّما في الأردن ومصر مقترحاً عليهم استقبال أهل غزة الذي «يرغبون» بالهجرة منها ليجد رداً حاسماً وصارماً من المسؤولين في العاصمتين ومن القيادات الفلسطينية، بل من أهل غزة أنفسهم الذين بدلاً من التوجه جنوباً نحو سيناء أصرّوا على التوجه شمالاً حيث خاض المقاومون أشرس وأعظم المعارك التي قلّما شهدها الصراع العربي – الصهيوني من قبل.
لن نقول للقيّمين على الأمور في تل أبيب، وواشنطن وغيرهما من عواصم الغرب كفى حروباً، كفى قتلاً، كفى مجازر فقط، بل سنقول لهم كفى أخطاء وخطايا وسوء فهم وتقدير لحقوق ومشاعر أمّة لم يتوقف أبناؤها على مدى مئتي عام عن النضال والمقاومة ضدّ الغزاة والمستعمرين…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى