أولى

كيف يجرؤون على السؤال…؟

 

 أحمد بهجة

 

الحدث في الجنوب عظيم جداً، بينما في الداخل اللبناني هناك مَن يحاول التعمية من خلال افتعال بعض المواقف وإعلاء الصوت حول تفاصيل صغيرة متعلقة بمسائل يهتمّ بها اللبنانيون عادة، ولكن ليس إلى درجة أن تطغى على حدث غير عادي يصنعه أبناء الجنوب ومعهم اللبنانيون من أصحاب الرؤية الواضحة والبوصلة الصحيحة والإيمان الراسخ بأنّ وطننا يجب أن يبقى عزيزاً وكريماً وحراً وسيداً ومستقلاً…
طبعاً يريد اللبنانيون أن تتشكل الحكومة في أسرع وقت، وأن ينطلق العهد الجديد بكلّ زخم وقوة، وان تقوم الدولة بدورها على كلّ المستويات وأن تجد العلاج المناسب لكلّ الملفات والقضايا المهملة والمتراكمة منذ عقود، ومعلوم أنّ الحاجة ماسّة جداً لإيجاد الحلول المناسبة للأزمات الكبيرة التي يعاني منها الناس إلى درجة الاختناق أحياناً، لا سيما في ما يتعلق بأزمة المصارف وأموال المودعين، وغيرها من المواضيع التنموية مثل الكهرباء والمياه والاتصالات والطرقات والنفايات، وكذلك الاهتمام بتنمية الاقتصاد الحقيقي من خلال تفعيل القطاعات الإنتاجية التي تخلق فرص العمل كـ الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات…
هذه أمور أساسية ولها أولوية لدى المواطنين، لكن لا يمكن لها أبداً أن تحلّ مكان أولوية تحرير الأرض وعودة الناس إليها لإعادة بناء وإعمار بيوتهم والاهتمام بمزروعاتهم ومصالحهم التي تعرّضت لدمار وخراب كبيرين نتيجة العدوان البربري والهمجي الذي شنّه العدو الصهيوني ضدّ جنوبنا الغالي.
الناس سيعودون مهما كانت التحديات، والمشهد الجنوبي خلال الأيام الماضية يشهد على أنّ هذه العودة مُظفّرة حيث انهزم العدو مجدّداً واندحر عن أرضنا الطيبة ودخل الجنوبيون ومعهم الجيش اللبناني إلى قراهم وبلداتهم دخول الفاتحين المنتصرين، بفضل الشهداء الذين بذلوا أغلى الدماء وأطهر الأرواح وكانوا عن جدارة واستحقاق رجال الله في الميدان…
لقد رأى كلّ الناس وتابعوا الوقائع الجنوبية وشاهدوا ماذا فعل أبناء الجنوب المقاوم، وسمعوا ماذا قالوا وكيف عبّروا عن تمسكهم بالأرض والاستعداد لتقديم المزيد من التضحيات من أجل حفظها وصونها وإعادتها أجمل مما كانت.
هل هناك أسمى من امرأة جنوبية تقف شامخة بكلّ صلابة وعنفوان أمام دبابة «الميركافا» وتتحدّى طاقمها وتصرخ قائلة «قوّص… قوّص»، فيما عجز جنود الاحتلال عن مواجهتها، هذه السيدة الجليلة (رباب نعمة) تمثل كلّ رمزية الجنوب بل رمزية لبنان الحرّ السيد المستقلّ بالفعل وليس بالشعارات الفارغة من أيّ مضمون والمرمية هنا وهناك على هواء بعض محطات التلفزيون وفي مواقع التواصل الاجتماعي.
وخلافاً لما حاول البعض ترويجه بأنّ الجنوبيين العائدين لم يحملوا العلم اللبناني فقد أظهرت كلّ الصور والفيديوات أنّ الأعلام اللبنانية كانت ترفرف إلى جانب رايات المقاومة في كلّ المواكب المتجهة جنوباً.
هنا لا بدّ من طرح السؤال… كيف يمكن أن يجرؤ لبناني واحد على مطالبة المواطن حسن طحيني بحمل علم لبنان فيما هو خارج من عيتا الشعب يحمل أشلاء نجله الشهيد البطل هادي طحيني الذي نثر دماءه كقارورة عطر على تراب الجنوب؟ هل هناك دلالة أكثر من هذه على الانتماء الوطني والاستعداد لافتداء الوطن بالأرواح والمُهج؟
هؤلاء الناس المقاومون لا تعنيهم الحكومات والمناصب والكراسي… وفي الوقت نفسه لا يسمحون لأحد بإقصائهم لأنهم زرعوا في تراب هذا الوطن أغلى وأثمن ما لديهم… زرعوا دماء قادتهم وأهلهم وأبنائهم وفلذات أكبادهم وأشقائهم وأقرب الناس إلى قلوبهم…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى