معركة التبيين…
المعركة الإعلامية هي أشدّ خطورة حتى من المعركة العسكرية، فحينما تقوم بتحييد أحد عناصر الجيش الذي يقابلك بإخراجه فيزيائياً من ساحة المعركة، تكون قد أنقصت عديد القوات المعادية رقماً واحداً، ولكنك حينما تقوم بغسل دماغ شخص في المعسكر المعادي المقابل، وتنجح في إزالة السردية المعادية لك في كينونته الموضوعية، ثم تجعله من خلال السيطرة على وسائط الإشعاع الفكري والإخباري، ومن خلال الإلحاح الإعلامي، تجعله يتبنّى سرديتك، ويصبح مؤمناً بها، فإنك لا تقوم بتحييده وإلغائه في معسكر العداء فحسب، ولكنك تضمّه إليك وتجعله تابعاً ومتبنّياً لسرديتك ولموقفك في الصراع، أيّ أنك تكون قد سجلت نقطتين، نقطةً في تحييده، ونقطةً أخرى في ضمّه إلى معسكرك، وهنا تكمن خطورة الحرب الإعلامية…
لقد سمعت آراء من بعض المحيطين بي من الجالية العربية ومنذ وطأت قدماي أرض هذا البلد، تجعل الواحد منا في حالة ذهول، وعدم تصديق للكيفية التي تمّ من خلالها حشو هذه العقول بهذا الكمّ من الهراء، وكيف تمكنت وسائل الإعلام من قلب الحقائق بهذه الكفاءة، وتحويل الباطل إلى حق، وتحويل الحق إلى باطل، وخلصت إلى نتيجة مؤدّاها، أنه لا بدّ أن يكون هنالك شيء ما يُدعى المناعة أو الحصانة الفكرية، وهي تتكوّن في الذات الإنسانية من خلال الاجتهاد في بناء رصيد متكامل موضوعي علمي من الحقائق، واستحداث جدار متماسك ليس ضدّ استشراف كلّ ما يجري من الأحداث والأفكار والتوجهات، ولكن لتمحيصها، وفصل الغث من السمين منها، واستخلاص الحقيقة دائماً ونبذ الترّهات…
ولا ينطبق على حالتنا في هذه الفوضى الفكرية، والضلال الذي ملأ النفوس وأوْدى بالحقيقة الى مهاوي الردى من خلال السيطرة الشيطانيّة على 80% من وسائل الإعلام والإشعاع، سوى ما أخبرنا به الرسول الأعظم منذ أربعة عشر قرناً، حينما حذرنا قائلاً، كيف بكم إذا رأيتم المنكر معروفاً والمعروف منكراً، فقيل، أوَكائن ذلك يا رسول الله، قال بل والذي أشدّ منه كائن، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر، ونهيتم عن المعروف؟ ونحن نشهد هذا الآن بملء السمع والبصر…