ترامب الذي يدعو غزة لنقاهة
لمرة ثالثة ومرة رابعة يجدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعوته الأردن ومصر لقبول المشاركة في تهجير سكان قطاع غزة. وهذه المرّة يتحدث عن كل سكان غزة، ويتحدّث عن مدة خمس عشرة سنة، هي المدة التي يعتقد أنها لازمة لإعمار غزة، ويشرح السبب بقوله إن ذلك لمصلحتهم لأن ظروف الإعمار لا تتناسب مع البقاء في غزة.
كلام ترامب الذي تمّ تزيينه بعنوان النقاهة للفلسطينيين لعقد ونصف سياحة ثم العودة إلى غزة، يدعو للسخرية فعلاً، فأين كانت هذه العاطفة على رفاهية أهل غزة عندما كانوا يُقتلون في مجازر جماعية أطفالاً ونساء وتُدمّر كل بيوتهم والبنى التحتية لكل شيء، الكهرباء والموت والطبابة والتعليم؟
بالتأكيد عند كل فلسطيني لكلام ترامب معنى واحد، ورد في ثنايا كلام ترامب نفسه، عند قوله إنه ليس بالضرورة أن يؤيد الاستيطان الإسرائيلي في غزة، ما يعني أنه لا يعارض أن يتزامن تهجير الفلسطينيين للسياحة بعيداً عن غزة، مع استيطان إسرائيلي فيها.
يخاطب ترامب الأردن ومصر وكأنه يضع في جيبه الصغير موافقة أهل غزة على الهجرة، فهل كلّف نفسه عناء الدعوة لاستطلاع رغباتهم عبر إحدى المؤسسات الأممية المتخصصة، اذا لم يرد أن يقرأ رسالة عودة النازحين الى شمال غزة بمئات الآلاف قبل أن يتسلّموا خياماً ينصبونها على ركام منازلهم، أو طعاماً يسدّون به جوعهم، أو دواء يعالج أمراضهم؟
مشكلة ترامب أنه يعيش في لا لا لاند، ويتوهّم أنه عبقريّ لا يفهم في حل المشاكل أحد سواه، وأن كل قضايا الكون عقارية، هكذا نظر إلى بنما وإلى المكسيك وإلى كندا، وكمقاول وسمسار عقاري لا مشكلة لديه بالتراجع، وهذا ما فعله مع بنما والمكسيك وكندا، وهذا ما يحاول فعله مع غزة عندما يتحدث عن التهجير، ولا تراجع هو ما سيفعله عندما يصطدم بإرادة أهل غزة.
على الأرجح سوف يبيع ترامب دعوته لصديقه بنيامين نتنياهو لإقناعه بأنه يفعل ما تريده “إسرائيل”، ويحاول أن يحقق لها ما فشلت هي بتحقيقه، وهذا مسعى ينتظر من نتنياهو قبولاً بمسعى مقابل، هو السير بتطبيق اتفاق غزة واتفاق لبنان، تمهيداً للبحث بكيف يمكن لواشنطن أن تساعد تل أبيب بنيل جائزة القرن وهي التطبيع مع السعودية، وهل هي جاهزة لدفع ثمن بسيط لقاء ذلك، والثمن هو إعلان القبول بدولة فلسطينية؟
العرض لا يزال في بدايته. فلننتظر ونرَ.