أولى

بين السِلّة والذِلّة.. والانتصار الساحق رغم فقدان قادة كبار

 

 د. جمال زهران*

 

مقولة… صكّها سماحة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، وخليفة سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله، حيث قال: نحن نعيش بين «السِلّة» و«الذِلّة». حيث إن «السِلّة»، حمل السيف للدفاع والتصدي، و«الذِلّة»، تعني الاستسلام لكلّ شيء وأمام كلّ شيء. فهيهات منّا «الذِلّة» فهي تكسر الإنسان، وتخرجه من دائرة الرجال الحقيقيين. وعساك إذا ما تفاديت حمل السيف، فتكون مع المنكسرين المذلولين، عديمي الإرادة، ومن ثم فإنه عليك بـ «السِلّة»، لتعيش إنساناً.. تدافع برجولة وشهامة، عن أهلك وأرضك ووطنك ودينك، وكلّ المبادئ التي تؤمن بها، وخاصة عرضك وشرفك. فمن يقبل على وطنه بالاحتلال، وأهله بالاغتصاب، فإنه قد فقد رجولته، ونخوته، وشهامته، واعتُبر في عداد المستسلمين والموتى، ولذلك فإنّ «السِلّة» هي الحلّ لمقاومة الغاصب والمستعمر، واللصوص والفاسدين، ولا لوم على من يحمل السيف، من أجل تحرير بلده وأرضه.
من هنا، يأتي تأييدنا ودعمنا للمقاومين في فلسطين من أجل انتزاع حقوقهم وتحرير بلدهم من الاستعمار الصهيونيّ الأميركي الأوروبي، وبكاملها من النهر إلى البحر. هكذا قال سماحته في كلمته يوم الأربعاء 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024م، وهو الأسبوع السابق لوقف إطلاق النار المؤقت الذي تمّ في 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث كان ذلك الأسبوع هو الأعنف في ضربات حزب الله على عاصمة الكيان الصهيونيّ الغاصب (تل أبيب/ يافا)، حيث وصلت الضربات إلى غرفة نوم النتن/ياهو، فهرع خارجاً قبل اغتياله بلحظات، هو وأسرته! ولولا وقف النار، لانهار الكيان تماماً، وهو ما لم تأتِ لحظته بعد! ومن ثم فلا زلت أرى أنّ وقف النار، هو وقف مؤقت، مهما كانت الضمانات، حيث إننا أمام عدو غادر، والجولة الجديدة قائمة، فالنار تحت الرماد كما نراها.
هكذا نصح سماحة الشيخ نعيم قاسم، في خطابه المشار إليه، مؤكداً على أنه لا خيار عن «السِلّة»، وحمل السلاح. أما «الذِلّة»، فهي المستحيل أمام المقاومة ومحورها، والتي هدفها تحرير فلسطين كاملة، وإزالة الكيان الصهيوني، من الإقليم، لكي يستردّ أنفاسه في طريق الوحدة العربيّة الحتميّة، والتقدّم والنهوض، بعثاً للدور التاريخيّ للأمة.
ولعلّ السبب في اختيار هذا العنوان، هو ما حدث ويحدث في مشهد ما بعد «طوفان الأقصى»، ووقف النار على جبهتي لبنان وغزة، يومي 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024م، و18 يناير (كانون الثاني) 2025م. والاستخلاص في كلا الحدثين هو أنّ المقاومة اللبنانية خرجت منتصرة، انتصاراً حاسماً، حيث لم يكن لدى حزب الله إرادة التوقف بعد أن وجّه كلّ قوّته إلى ضرب تل أبيب، وحيفا، بكثافة وبلا توقّف، حتى استشاط العدو الصهيونيّ غضباً وهياجاً، وطلب وقف النار، حسبما قال سماحة الشيخ نعيم قاسم، في أول خطبه بعد الوقف، لدرجة أنّ الذي أصدر القرار باعتماد وقف النار بين لبنان والكيان الصهيونيّ، هو الرئيس الأميركي جو بايدن وبنفسه، بل حدّد موعد سريانه بفجر يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، وبعدها صمت النتن/ياهو، ولم يفتح فمه! إلا أنّ فائض القوة اتجه إلى فتح الملف السوريّ، كما رأينا وتابعنا!
أما الحدث الثاني وهو وقف إطلاق النار على جبهة غزة، فقد تمّ التوصل إليه بعد أقلّ من (50) يوماً، بعد توقيع اتفاق الوقف الأول على الجبهة اللبنانية، في 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، فقد خرجت المقاومة منتصرة ورافعة الرأس، وبتعليمات أميركيّة من إدارتي بايدن التي كانت تودّع البيت الأبيض، وترامب الذي كان يستعدّ لدخوله، وكانت تصريحاته، الإسراع بوقف النار قبل دخوله، وتهديده، بأنه قبل أن تتحوّل المنطقة إلى جحيم!
وقد تبدّى الانتصار للمقاومة في نقطة رئيسية، ونقاط فرعيّة بلا حصر، حيث إنّ النقطة الرئيسية تركزت في ذلك الفشل الشامل لعصابة النتن/ياهو، في تحقيق أي من أهدافه في العدوان على غزة! وقد تحدّدت الأهداف الخمسة الكبرى في: تحرير الأسرى سالمين وبالقوة، والقضاء على المقاومة وحماس في المقدّمة نهائياً، واحتلال شامل لكلّ غزة، وضمّها إلى سلطة الكيان وبسط نفوذه عليها، والتهجير القسري والطوعي لشعب غزة، واستمرار الحصار على غزة المفروض عليها منذ عام 2007م (مدة 17 سنة)!
وكان من جراء ذلك، هو التدمير الكامل والشامل لغزة، والإبادة الجماعيّة (Genocide)، لشعبها، والتحكم في جميع الممرات، وضرب معبر رفح الفلسطيني، وغلقه تماماً حتى من الجانب المصري، وبالتالي فقد مارس العدو الصهيوني، إجرامه في قتل عَمْدي للمدنيين (50 ألف شهيداً)، و(120 ألف جريح ومصاب)، بينهم 70% من النساء والأطفال والشيوخ! بل إنّ المعلومات عبر فيديوات مسجلة، تؤكد تعمّد قوات الجيش الصهيوني، بقتل المدنيين في غزة، والتنكيل بهم، بصورة بشعة، تعود إلى العصور القديمة والوسطى! وفقد الجيش الصهيوني، هيبته، وسمعته بأنه الجيش الذي لا يُقهر! إلا أنه على الجانب الآخر، فقد صمد الشعب الفلسطيني في غزة، وصمدت المقاومة، وصمد تحالف الشعب والمقاومة، بل مارست المقاومة كلّ قوتها وخبراتها، في إيقاع الخسائر الضخمة في الجيش الصهيونيّ «بشريّة ومعدات عسكرية قيل عنها أساطير، مثل دبابات الميركافا (المصنّفة بأنها من أفضل الأنواع في العالم!)». وكلما ادّعى وزعم النتن/ياهو وعصابته، أنّهم قد سيطروا على جزء من غزة، سواء في الشمال، أو حتى في الجنوب (رفح)، أو في الوسط/ مدينة غزة)، يفاجأون، بالمقاومة تظهر وتضرب بقوة، ما ادّعوا أنهم قد سيطروا عليه! وقد شاهدنا تسجيلات بالضربات التي أحرزتها المقاومة، ومذاعة على الهواء في العالم كله.
وكان من نتاج المقاومة واستمرارها في عملياتها، أن فقد الجيش الصهيوني السيطرة المستقرة، على أيّ جزء من أرض غزة، الأمر الذي أدّى إلى استمرارية المقاومة، واستعادة قوّتها بين الحين والآخر، وتجنيد المزيد من شباب غزة وضمّهم إلى صفوف المقاومة، تدريباً وتسليحاً. ولم تتعرّض المقاومة الفلسطينية (حماس وأخواتها)، إلى أيّ فراغ نهائيّ طوال (15) شهراً، ولم تضعف قوتها، أو تتراجع، أو تعلن استسلامها، بل إنّها لم تخضع لأيّ ضغوط إقليمية ودولية لقبول ما لا تريد، مطلقاً. وقد رأينا كيف أنّ المجاهد المقاتل/ يحيى السنوار، كان يحمل السلاح ويقود المقاومة في الميدان، على الرغم من اختياره (الأمين العام لحركة حماس بعد اغتيال السيد إسماعيل هنية في طهران). وقد تأكدت مقولة سماحة السيد حسن نصر الله، مثلث المقاومة (الأرض والليالي والميدان).
فقد اشترطت المقاومة، الوقف الكامل للعدوان الصهيوني على غزة، وإفراغ السجون الصهيونيّة من المعتقلين الفلسطينيين، والانسحاب الكامل للجيش الصهيوني من كل قطاع غزة، والنظر في إعادة الإعمار، وفتح كل المعابر وخاصة معبر رفح، بلا قيود أو شروط، وغيرها. وقد تحقق لها كل ذلك نتيجة استمرار المقاومة، واستمرار الخسائر على الجانب الصهيونيّ، وفي كلّ شيء، وعوامل أخرى داخل الكيان الصهيوني، من تدهور اقتصادي وتفكّك المجتمع الصهيوني، وغير ذلك، مع استمرار جبهة الإسناد اليمنيّة التي استمرت حتى تمّ البدء في تنفيذ اتفاقية وقف النار، في غزة.
إذن مَن الذي انتصر.. ومَن انهزم واستسلم، في ضوء ما سبق؟! المنتصر هو المقاومة الفلسطينية، وجبهات الإسناد في لبنان، وفي اليمن، وفي العراق، نتيجة الاستبسال والتنسيق، الذي كاد أن يصل إلى الانهيار الكامل للكيان الصهيوني، لولا التدخل الأميركي، الذي استشعر أن سقف الحماية لضمان استمرار الكيان، قد تعرّض إلى التصدّع وعلى وشك الانهيار!
وقد شاهدنا كيف أنّ المقاومة لم تمرّ بفراغ قياديّ، رغم استشهاد قادة كبار في الميدان، وفي مقدّمتهم القائد يحيى السنوار، والقائد محمد الضيف، ومعه كوكبة من القيادات، أَعلن عن استشهادهم، المقاوم/ أبو عبيدة. وقد تأكدت قوة وصمود المقاومة بكلّ فصائلها وجبهات الإسناد، وأنّ ما تمّ التوصل إليه على جبهتي غزة ولبنان، هو محصلة النضال المستمرّ عبر (15) شهراً، بلا توقف، ومحصلة الصمود، ومحصلة قوة الإبادة، والتمسك بالعقيدة النضالية. ولذلك، فالمقاومة استبسلت وانتصرت انتصاراً ساحقاً، ولم تستسلم أبداً، وعلى الجانب الآخر، استسلم الكيان الصهيوني وانهزم هزيمة استراتيجية كاملة، ستتداعى نتائجها خلال الأسابيع المقبلة، ولعلّ عام 2025م، هو عام الحسم للتحرر الفلسطيني، وانهيار الكيان الصهيوني، وغداً سنرى. ولذا فإنّه علينا بكلمات الشيخ نعيم قاسم، أن نستمسك بـ «السِلّة» والنصر حليفنا، وألا نصل إلى «الذِلّة»، والاستسلام…

* أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى