التهجير والتوطين القسري والمشاريع الأميركية الصهيونية!
د. محمد سيّد أحمد
تعدّ قضية التهجير القسري للفلسطينيين هي القضية الأبرز الآن على ساحة الرأي العام العالمي، حيث تتصدّر كلّ وسائل الإعلام، فخلال الشهور الخمسة عشر الماضية ومنذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 وقيام العدو الصهيوني بعدوانه الإجرامي على غزة، والذي أعلن بأنه يستهدف بالأساس القضاء على حماس أولاً، ثم تهجير سكان غزة قسرياً وتوطينهم على الأرض المصرية في سيناء ثانياً، وموضوع التهجير والتوطين القسري هو حديث الساعة. ورغم العدوان الذي تحوّل إلى حرب إبادة إلا أنّ العدو الصهيوني وعلى مدار الخمسة عشر شهراً لم يتمكن من تحقيق أهدافه المعلنة في غزة، واضطر صاغراً ومعه داعمه الأميركي للانصياع لإرادة المقاومة والشعب الفلسطيني البطل والشجاع الذي صمد صموداً أسطورياً، وانتهى المشهد قبل أيام بإعلان الهدنة في غزة، ورفع العدو الصهيوني الراية البيضاء، معلناً هزيمته وانتصار غزة شعباً ومقاومة، وتجلّى مشهد الانتصار في عودة الشعب كموج البحر الهادر من جنوب غزة إلى شمالها المدمر بالكامل، ونصب الخيام فوق الركام والأنقاض. وفي الوقت ذاته وتأكيداً للانتصار خرج قادة وجنود المقاومة وهم يحملون سلاحهم، وهو ما يعني أنّ العدو الصهيوني لم يتمكن من تحقيق ما أعلنه في بداية عدوانه، فلا المقاومة تمّ القضاء عليها، ولا الشعب تمّ تهجيره وتوطينه قسرياً.
ورغم هزيمة العدو الصهيوني وداعمه الأميركي ميدانياً، إلا أنه لا يريد الاعتراف بالهزيمة، بل يحاول أن يحصل من خلال الضغط السياسي على ما لم يتمكّن من تحقيقه ميدانياً. وبالطبع هذا عبث كبير، فمن المعروف أنّ المنتصر ميدانياً هو من يفرض إرادته على طاولة المفاوضات، وما لم تستطع تحقيقه بالقوة الخشنة (العسكرية) لا يمكن أن تحققه بالقوة الناعمة (السياسية)، وما لم تستطع الحصول عليه بشكل مباشر بالقطع لا يمكن أن تحصل عليه بشكل غير مباشر، ففي ظلّ هذا المشهد المعقد خرج علينا الرئيس الأميركيّ المنتخب بعد ساعات من عقد الهدنة بتصريحات غريبة وعجيبة يحاول بها الالتفاف على ما تمّ إنجازه من اتفاق مع المقاومة الفلسطينية في غزة، حيث أكد مراراً وتكراراً أنه سيتمّ تهجير الشعب الفلسطيني ليس فقط في غزة بل في الضفة الغربية أيضاً تهجيراً قسرياً وتوطين هذا الشعب قسرياً في كلّ من مصر والأردن. وهنا جاء ردّ الفعل المصري والأردني رسمياً وشعبياً على مستوى الحدث، وتأكيداً لموقفهما السابق منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة ومن قبله على الضفة الغربية برفضهما صفقة القرن المزعومة التي تطالبهما بتوطين الشعب الفلسطيني على الأرض المصرية والأردنية، حيث خرج قادة البلدين ليعلنا رفضهما التامّ لهذا المشروع التهجيري والتوطيني القسري، وتزامناً مع ذلك خرجت الجماهير الشعبية في البلدين واتجهت بالقرب من الحدود مع الأرض الفلسطينية المحتلة في غزة والضفة الغربية معلنة تضامنها مع حكوماتها من ناحية ومع الشعب الفلسطيني البطل والشجاع من ناحية أخرى.
ورغم هذا الموقف الرسمي والشعبي المصري والأردني، إلا أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب خرج بمنتهى الوقاحة والبجاحة ليؤكد مرة أخرى أنّ عملية التهجير والتوطين القسري للفلسطينيين سوف تتمّ وأنّ مصر والأردن سوف توافقان وتنفذان. وهو بالطبع هنا تحمل تصريحاته تهديداً مبطناً للجميع، لكننا لا زلنا نؤكد أنه لا مصر ولا الأردن يمكنهما الموافقة على مثل هذا الطرح، حتى لو قاد هذا الموقف الدخول في حرب مباشرة، وما نؤكد عليه أكثر هو غباء ترامب فإذا كان بإمكانه الضغط على مصر والأردن لقبول التوطين القسري، فكيف له أن يقنع الشعب والمقاومة الفلسطينية بقبول التهجير القسري، ذلك الشعب وتلك المقاومة التي فضلت الاستشهاد على ترك الأرض ليس فقط عبر الخمسة عشر شهراً الماضية بل عبر أكثر من مئة عام هي عمر الصراع مع هذا العدو الصهيوني، لكننا يجب هنا ورغم قناعتنا بصلابة الموقف العربي عموماً والمصري والأردني على وجه الخصوص من قضية التهجير والتوطين القسري للفلسطينيين أنّ هذه المواقف ليست كافية، ويجب البحث عن وسائل للمواجهة. فالعدو الأميركي يمتلك مشروعاً معادياً لأمتنا العربية والمنطقة بأكملها وهذا المشروع لم ولن يتراجع عنه مهما حصل وهو مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي يسعى لتقسيم المقسم وتفتيت المفتت في أمتنا العربية ومنطقتنا، وقد استطاع العدو الأميركيّ من تحقيق جزء كبير من مشروعه، فقط علينا أن ننظر لما حدث في العراق وليبيا واليمن والسودان وسورية، لنتأكد أنّ المشروع الأميركي يمتلك نفساً طويلاً، وعلينا نحن أيضاً أن نمتلك النفس الطويل ونعدّ العدّة لمواجهة هذا المشروع الأميركي العدواني على أمتنا العربية ومنطقتنا، وإلى جانب هذا المشروع هناك مشروع آخر هو المشروع الصهيوني المعروف بـ «إسرائيل الكبرى» من الفرات إلى النيل، وهو أيضاً مشروع يواصل العدو الصهيوني العمل على تحقيقه، ويمكننا أن ننظر لاحتلال العدو الصهيوني للأرض العربية في فلسطين ولبنان وسورية، وتوغله الأخير في سورية يؤكد أنه يتجه نحو الفرات، ويؤجل معركة النيل للنهاية، لذلك يجب التحرّك السريع والفوري لمواجهة هذا العدو الصهيوني، فمعركتنا معه معركة وجود وليست حدود، اللهم بلغت اللهم فاشهد.