كيف نحلّ جذرياً أزمة تشكيل الحكومات…؟
![](https://www.al-binaa.com/wp-content/uploads/2024/08/احمد-بهجة-نيو-اولى-720x470.jpg)
أحمد بهجة
يلاحِظ المتابع لمجريات السياسة اللبنانية أنّ مسألة تشكيل الحكومات تمثل مشكلة مزمنة تتكرّر في كلّ مرة لأسباب ومبرّرات مختلفة، لكن يبقى أساس المشكلة هو نفسه، ولا بدّ من البحث عن حلّ جذري يعفي لبنان واللبنانيين من النتائج السلبية الكبيرة المترتبة عن تأخير تشكيل الحكومات.
قبل اتفاق الطائف عام 1989 وإقرار بنوده في صلب الدستور عام 1991، كان يحقّ لرئيس الجمهورية أن يُعيّن الوزراء ويختار من بينهم رئيساً، لكن التقاليد اللبنانية كانت أن يجري رئيس الجمهورية استشارات نيابية غير ملزمة لتسمية شخصية يتمّ تكليفها لتشكيل الحكومة، وبدوره كان الرئيس المكلف يجري استشارات نيابية غير ملزمة أيضاً تمهيداً لتشكيل الحكومة التي تكون شبه جاهزة قبل الاستشارات.
أما مع بدء تطبيق اتفاق الطائف الذي قلّص صلاحيات رئيس الجمهورية لمصلحة مجلس الوزراء مجتمعاً فقد صارت استشارات التكليف ملزمة وعلى رئيس الجمهورية أن يُطلع رئيس مجلس النواب على نتائجها رسمياً ثم يصدر مرسوم تكليف الشخصية التي نالت أكثرية أصوات النواب لكي تتولّى تشكيل الحكومة الجديدة.
وحين نقول إنّ معظم صلاحيات رئيس الجمهورية انتقلت إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، فإنّ هذا يعني أنّ مجلس الوزراء صار هو السلطة السياسية التي عليها مسؤولية إدارة البلد، وبالتالي لم يعد الوزير كما كان قبل الطائف عبارة عن موظف أوّل يعمل بتوجيهات رئيس الجمهورية ويُدير وزارته وفقاً لتلك التوجيهات، بل أصبح الوزير بشخصه وبمن يُمثل جزءاً لا يتجزأ من السلطة السياسية العليا في البلد.
ومن هنا القول إنّ تشكيل الحكومة يجب أن يأخذ في الاعتبار تمثيل الكتل النيابية التي تمثل بدورها الطوائف والمذاهب، حتى لا يشعر أيّ مكوّن أنه مُغيّب أو أنّ هناك مَن يريد تغييبه لأسباب وغايات معروفة أو مخفية.
وبما أنّ المعضلة الكبيرة هي في التمثيل الطائفي والمذهبي، فإنّ اتفاق الطائف نفسه فتح الباب واسعاً للخروج من هذه المعضلة وإيجاد الحلّ الجذري لها، وذلك من خلال المادتين 95 و22 من الدستور، حيث أكدت المادة 95 أنّ على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسحيّين اتخاذ الإجراءات الملائمة لإلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية وتضمّ رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء وشخصيات سياسية وفكرية وأكاديمية وروحية واجتماعية.
على أن تكون مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.
كما نصت المادة 22 على إنشاء مجلس للشيوخ يكون ممثلاً للطوائف والمذاهب وفيه تتمّ معالجة الهواجس والمخاوف التي تتكوّن لدى هذه الطائفة أو ذاك المذهب، على أن يترافق ذلك مع انتخاب مجلس النواب من خارج القيد الطائفي، وهذا يعني أن تحصل الانتخابات على أساس البرامج والمشاريع التنموية والاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي يتشكّل هذا المجلس من كتل نيابية ومن أكثرثة وأقلية بعيداً عن أيّ منطق طائفي أو مذهبي… وعندها فقط يمكن الحديث عن تشكيل حكومة تمثل الأكثرية فيما الأقلية تعارض وتعمل لكي تصبح هي الأكثرية لكي تتسلّم السلطة في عملية تداول طبيعية حضارية كما يحصل في الكثير من دول العالم.
لقد مضى على إقرار الدستور أكثر من ثلاثين عاماً، فلماذا لا نذهب إلى تطبيقه كاملاً، وخاصة في مندرجاته الإصلاحية، أم أنّ شعار الالتزام باتفاق الطائف سيبقى شعاراً فيما مشاكلنا مستمرّة ومتزايدة وبلدنا يرجع إلى الوراء، وقد بلغنا آخر الوراء ولم يبقَ هناك وراء نرجع إليه…