نقاط على الحروف

الحدث الذي غيّر المنطقة والعالم

 

 ناصر قنديل

 

– تعالوا نتخيّل المنطقة وفيها نظام الشاه يحكم إيران، ونفترض أن الثورة الإسلامية في إيران لم تحدث، ونتصوّر الحال الذي كانت عليه المنطقة والحال الذي كان عليه العالم، والذي سوف نراه هو أن أميركا و”إسرائيل” سوف تفقدان الخطاب السياسي الذي واظب خلال العقدين الأخيرين على اعتبار إيران تحدياً أولاً وتهديداً استراتيجياً، وكانت السياسات والعلاقات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة ترتكز على معيار واحد هو العداء مع إيران، وكان الخطاب الإعلاميّ له وظيفة محورية يدور حولها ويعود إليها هي شيطنة إيران، إلى حد أعاد التذكير بمرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي التي قامت على العداء لجمال عبد الناصر وتشكيل الأحلاف لمواجهته وتجنيد الإعلام للتشويش عليه وتشويه صورته وصورة مشروعه، والسعي لإسقاط نظامه وهزيمة جيشه.

– بالمقابل إذا تخيّلنا المنطقة دون إيران الثورة الاسلامية سوف نفتقد العمق الاستراتيجي لقوى المقاومة التي ناهضت الاحتلال الأميركي في العراق وأفغانستان، والاحتلال الإسرائيلي للبنان وفلسطين، ويصعب أن نتخيّل بلوغ حركات المقاومة المكانة التي وصلتها من حيث امتلاك قدرات أتاحت تحقيق إنجازات بحجم تحرير جنوب لبنان وغزة وصولاً إلى طوفان الأقصى، وظهور محور المقاومة الذي يشمل إضافة الى المقاومة في لبنان وفلسطين قوى المقاومة في العراق واليمن، وما ترتب على كل ذلك من مواجهة تاريخية عرفتها المنطقة بين هذا المحور والتحالف الأميركي الإسرائيلي الذي خاض أطول حروبه وبلغ أقصى مدى في التوحش والإجرام، واستخدم كل فائض قوته، لكنه خرج بفشل ذريع رغم ما ألحق بقوى المقاومة من خسائر وما تسبب به من قتل وتدمير، فقد خسرت أميركا حرب البحر الأحمر أمام اليمن، وفشلت “إسرائيل” بفرض الاحتلال والتهجير في غزة ولبنان وعجزت عن إنهاء قوى المقاومة، وانتهى فصل تصفية القضية الفلسطينية بالقوة العسكرية، وعادت القضية الفلسطينية على رأس جدول الأعمال العربي والإسلامي والعالمي، وتغيّرت اتجاهات الرأي العام العالمي تجاه “إسرائيل” وفلسطين بصورة متعاكسة، وفي كل ذلك كان الفضل للمقاومة، التي كان لإيران بصمة دائمة في صناعة قوتها، وقد تحمّلت لأجل ذلك الكثير.

– قدّمت إيران وثورتها الإسلامية مثالاً للإخلاص لفكرة دولة الاستقلال الوطني، وتحمّلت تبعات ذلك لعقود ولا تزال، كما قدّمت مثالاً للإخلاص لقضية فلسطين وتحمّلت ولا تزال الكثير بنتيجة هذا الإخلاص، لكنها رغم كل ذلك نجحت بالصمود والحفاظ على خط بياني صاعد في قوتها وحضورها في المنطقة والعالم. وقد نجحت إيران في تلافي تكرار تجربة أميركا و”إسرائيل” معها في حرب شبيهة بحرب العام 1967، كما نجحت ببناء نظام سياسي واقتصادي مرن وقويّ، يتسع لسقوف ومراوح متعدّدة من التيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يضمن الحفاظ على نصاب غالبية شعبيّة مساندة للنظام واستقراره السياسيّ والأمنيّ، رغم التحديات، ونجح هذا النظام بامتلاك مساحات من الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتحرّكة بما يضمن احتواء الخلافات كلما بلغ تمثيل التيارات المناوئة حدّ ملاقاة مزاج شعبيّ واسع.

– نجحت الثورة الإسلاميّة في إيران ببناء أرضيّة علمية وتنموية ضخمة وصلبة، ونجحت بتحويل الحصار والعقوبات من تحدّيات إلى فرص، سواء عبر بناء نماذج تنموية صناعيّة وزراعيّة وفرت لها مقداراً عالياً من الاكتفاء الذاتيّ الاستهلاكي، وميزاناً تجارياً لا يعطّل توازنه اختلال ميزان المدفوعات ولا الضغوط على سعر الصرف، كما نجحت في امتلاك قدرات عسكرية بتقنيات إيرانية عالية وقادرة على توفير الحماية وخوض المواجهة، وتقدّمت في ملفها النوويّ إلى مراتب عالية جعلتها دولة نوويّة لا ينقصها شيء من التقنيات، ولا يمنعها من امتلاك سلاح نوويّ إلا قرارها عدم امتلاك هذا السلاح.

– يستحقّ الشعب والقيادة في إيران التهنئة في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية، ويستحقّ قائد هذه الثورة الإمام الخمينيّ وخليفته الإمام علي الخامنئي، التقدير لعقول استراتيجية تملك مؤهلات قياديّة استثنائيّة، لعبت دوراً في جعل إيران لاعباً محورياً في صناعة السياسة في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، ويعود لهما الفضل في صياغة مفهوم عصريّ وحديث للإسلام، إسلام القضايا والشعوب، لا إسلام الحكام والسلاطين، وفقه التحرير والمقاومة والوحدة والحوار، خارج إطار ثنائية التبعيّة والإرهاب وثنائية التكفير والفتن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى