نقاط على الحروف

ترامب ينهي العروض النارية ويبدأ العمل

 

ناصر قنديل

 

– كما فشلت الإدارة الديمقراطية للرئيس باراك أوباما وحلفائها الأوروبيين، في احتواء إيران وتحييدها عن دعم حركات المقاومة، عبر إغراءات عائدات الاتفاق النووي، ما استدعى من الدولة العميقة الاستعانة بـ المشاغب المشاكس الخارج عن المألوف دونالد ترامب لإلغاء الاتفاق، فشلت خطة الإدارة الديمقراطية مع الرئيس جو بايدن في استدراج روسيا إلى شنّ حرب على أوكرانيا عبر الاستفزاز المتصاعد وتعطيل اتفاقيات مينسك، بالرهان على إسقاط روسيا عبر الحزمة القاتلة التي قامت على الحصار الاقتصادي والعقوبات المصرفية. ونجحت روسيا بتحويل التحدي فرصة وتجاوزت الأزمة وتمكنت من استعادة زمام المبادرة وصولاً إلى ضمان الفوز في حرب تبين أن إعداد أميركا وحلفائها الأوروبيين للفوز بها عسكرياً كان معدوماً إلى حد نفاد المخزونات العسكرية والعجز عن إمداد أوكرانيا بحاجتها من الذخائر بمجرد فشل الحزمة القاتلة في إسقاط روسيا، فاستعانت الدولة العميقة مرة ثانية بدونالد ترامب المشاغب والمشاكس والخارج عن المألوف لإنهاء الحرب وترسيم حدود القوة مع روسيا على حساب أوروبا.

– مع الإعلان عن بدء المفاوضات مع روسيا حول أوكرانيا، وإرسال طاقم ترامب إلى موسكو، بمن في ذلك المفاوض حول اتفاق غزة ستيف ويتكوف، ووزير الخارجية ماركو روبيو المعنيّ بملفات كندا والمكسيك وبنما، واستعجال تعيين مديرة المخابرات الوطنية تولسي غابارد من أجل تكليفها بمهمة ضمن مسار التفاوض، يتّضح بما لا لبس فيه أن وجهة ولاية ترامب الرئاسية في السياسة الخارجية هي إنهاء النزاع مع روسيا، وتقاسم النفوذ معها على حساب أوروبا، على قاعدة التسليم بمكانة روسيا الدولية الجديدة، وأن ما شاهدناه من عروض قوة أميركية ضد الحلفاء من كندا إلى المكسيك وبنما والدنمارك، وكسر الجرة مع أوروبا تحت عنوان الميزان التجاري وتمويل الناتو وسوق الغاز والنفط، وافتعال أزمات مع الأردن ومصر وصولاً إلى السعودية، حول حل افتراضيّ غير قابل للتطبيق لتهجير غزة، لم تكن إلا عروضاً نارية تمهيدية إحدى وظائفها خلق صورة الرجل القوي الذي لا يمكن اتهامه عندما يعقد صفقة مع روسيا بالضعف، وتنجو معه أميركا من صورة الهزيمة.

– تصرّفات ترامب مع بنما والمكسيك وكندا والدانمارك، التي تضمنت سقوفاً عالية وصلت حد التلويح بالعمل العسكري، من استعادة قناة بنما بالقوة، إلى ضم كندا إلى غزو غرينلاند وأخذها من حضن الدانمارك، إلى تهديد المكسيك ما لم تستقبل ملايين المهاجرين المبعدين، تقول إنه رضي بالفتات التفاوضي لمجرد أن الدول المعنية صمدت ولم تضعف أمام التهديدات، فحصلت بنما على اعتراف أميركي ببقاء إدارتها للقناة. وقبلت أميركا من كندا والمكسيك بالتعاون الحدودي، وتبخّرت التهديدات أدراج الرياح. وهذا يؤكد حقيقتين، الأولى أن الوظيفة الفعلية للتهديدات كانت عروضاً نارية تمهيدية للانعطاف نحو التفاوض مع روسيا بصورة الرجل القويّ. والثانية أن مَن لا يُصيبه الذعر ويصمد يفرض معادلاته على واشنطن وترامب شخصياً.

– يعيش العرب حالة مشابهة لحالة بنما وكندا والمكسيك والدنمارك، وهم أمام امتحان الذعر والصمود، والمشروع الأميركيّ لتهجير غزة الذي يُشهره ترامب بوجه العرب خياليّ أكثر من غزو غرينلاند واسترداد قناة بنما وضمّ كندا ولاية أميركية إضافية. وما برز من مواقف عربية يدعو للتفاؤل بأن العرب يقرأون الموازين بصورة عقلانيّة ولم يصيبهم الذعر، رغم الصورة التي ظهرت من البيت الأبيض للملك الأردني، ما لبثت التصريحات الصادرة بعدها أن صحّحت الانطباع السلبي الذي تركته، ضمن خطة أميركيّة واضحة للإذلال والضغط وفرض الإذعان، لكن إلغاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيارته إلى واشنطن، واكتفاءه بما قام وزير خارجيته بدر عبد العاطي بإبلاغه لوزير الخارجية الأميركية عن رفض مصر الانخراط في خطة تهجير غزة، ومثله الموقف الصادر عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالتأكيد المتكرّر منذ بيان الفجر لوزارة الخارجية السعودية فور صدور كلام ترامب عن خطة التهجير بحضور بنيامين نتنياهو، وصولاً لإعلان مجلس الوزراء السعودي رفض كل أشكال التهجير والضم والاستيطان وتأكيد التمسك بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية، عناصر ترفع سقف التوقعات حول فهم الجانب العربي لحقيقة قدرته على إسقاط المناورة الأميركية الهادفة لتحقيق أرباح تعوّض لكيان الاحتلال خسارته للحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى