«طوفان الأقصى الثالث» وحتميّة الانهيار الكامل للكيان الصهيوني
![](https://www.al-binaa.com/wp-content/uploads/2024/08/جمال-زهران-نيو-اولى-720x470.jpg)
د. جمال زهران*
بمناسبة الذكرى الـ (46) لقيام الثورة الإيرانية في فبراير 1979م، والسقوط المدوّي لنظام الشاه العميل الأميركي والغرب والداعم للكيان الصهيوني، وصعود حكم الجمهورية الإيرانية الإسلامية، الداعمة منذ اليوم الأول للقضية الفلسطينية، حيث بدأت هذه الثورة بطرد البعثة الدبلوماسية للكيان الصهيوني، وقطع العلاقات، وإلغاء الاعتراف به، وإحلال الدولة الفلسطينية مكان بعثة الكيان، وتسليم المقرّ كاملاً لممثلي فلسطين.
ولذلك فإن هذه الثورة الإيرانية، بمثابة الإعصار في الإقليم والعالم، وحاول الغرب الاستعماري، إجهاض هذه الثورة، وعلى مدار الـ (46) عاماً، خاضت فيها جمهورية إيران الإسلامية، العديد من المعارك والأزمات، والحروب، تفوق قدراتها، ولكنها تحمّلت وانتصرت، واستمرت، وأحرزت تقدّماً ومشروعاً للنهضة، جعلها رقماً صعباً إقليمياً وعالمياً. ولذلك، فإن التسمية الحقيقية لما حدث في إيران 1979م، هي «طوفان الأقصى الأول»، في إطار التحليل السابق والحاضر والمستقبل. وذلك على اعتبار أنّ الثورة الإيرانية أحدثت زلزالاً كبيراً في مسار الصراع العربي ـ الإسرائيلي. الأمر الذي يدعوني بتسمية هذه الثورة بالطوفان الأول، لارتباطها بالحسم ضدّ الكيان الصهيوني والغرب الاستعماري وأميركا التي سمّاها الإمام الخميني بـ «الشيطان الأعظم»، ومع القضية الفلسطينية قولاً وفعلاً، حتى أنّ الإمام الخميني، أطلق تحرير بيت المقدس هو المعنى والهدف، وسمّى يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان، بـ «يوم القدس العالمي»، ولا يزال الاحتفال بهذا اليوم يتمّ كلّ عام منذ ذلك الوقت، وحتى الآن، دون انقطاع.
فالتسمية ليست مبالغة على الإطلاق، بل هي التي تستحق اسم «طوفان الأقصى الأول»، أما «طوفان الأقصى الثاني»، فهو الذي اندلع في السابع من أكتوبر 2023م، والذي أحدث زلزالاً في مسيرة الصراع العربي الصهيوني، وهو بمثابة حصاد محور المقاومة، وبداية لطوفان جديد مقبل، بإذن الله.
فطوفان الأقصى الثاني، في أكتوبر 2023م، وبعد مرور 16 شهراً، حتى الآن، شهد انتصارات، وبعض الانتكاسات وهي عوارض في طريق النصر. وكانت النتيجة النهائية هي النصر الساحق للمقاومة على العدو الصهيونيّ الأداة والفرع، وعلى العدو الأميركي وهو الأصل والمحرّك. فالنصر لا يُقاس بحجم الدمار والشهداء والمصابين، لأن ذلك هو ثمن الاستبسال من أجل التحرير والاستقلال، والذي له كلفة عالية في تاريخ الشعوب الساعية لذلك. فعلى الرغم من الخسائر البشريّة في غزة فقط وصلت إلى (50/ ألف شهيد، (125) ألف مصاب)، علاوة على التشريد والتجويع والحصار، إلا أن ذلك لم يفضِ إلى الاستسلام للعدو الصهيوني، بل شهدنا وشهد العالم صموداً أسطورياً غير مسبوق في التاريخ، حجماً وزمناً على نحو ما رأينا. والآن، أجبر العدو الصهيوني على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار. وأجبر العدو على تبادل الأسرى. وللأسبوع الخامس، شاهدنا كيف تقوم المقاومة بقيادة حماس، باستعراض قوّتها في تسليم الأسرى الصهاينة، واحداً تلو الآخر، ومن أماكن مختلفة، استحال على العدو الصهيوني اكتشافها، طوال (15) شهراً!
علاوة على أن مشهد تسليم الأسرى يصاحبه حرب الصورة، حيث نجد الأسرى في كامل ثيابهم وصحتهم، وتعاطفهم مع المقاومة الفلسطينية بإرادتهم الحرة. وأقوى المشاهد في الإفراج الخامس حيث أعلنت المقاومة.. أنها اليوم التالي في غزة، بمعنى أنّ المقاومة هي التي تحكم غزة، ولا بديل. وهذه رسالة قويّة لمن يريد أن يسيطر على غزة من سلطة عميلة، أو الكيان الصهيوني، أو إدارة عربية مشتركة، فكل هذا ذهب ويذهب مع أدراج الرياح!
وبالرجوع إلى تصريح بلينكن (أسوأ وزير خارجية أميركي)، في آخر أيامه، حيث قال: «لا يمكن هزيمة حماس بالقوة العسكرية»، فهذا تصريح الهزيمة بلا شك، للكيان الصهيوني وأميركا التي زوّدت عصابة الكيان بقيادة النتن/ياهو، بأحدث الأسلحة وأقواها، وبآلاف الأطنان (500 طائرة عسكرية مليئة بالأسلحة، 300 بارجة وناقلة أسلحة بحريّة) علاوة على دعم الكيان الصهيوني بما قيمته (50) مليار دولار! وفي الوقت نفسه فهو إعلان نصر للمقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد وأخواتهما).
فالأعداء المباشرون، وغير المباشرين، يشهدون بأنفسهم، بنصر المقاومة الفلسطينية، ونصر حزب الله، ونصر المقاومة اليمنية والعراقية، بينما الطابور الخامس في داخل هذه البلدان، بل وفي السلطة الفلسطينية العميلة للكيان الصهيوني ولأميركا، يعلنون صراحة أنّ الهزيمة كانت من نصيب المقاومة، وأنّ الخسائر لا تتوازى من تدمير وقتل ودمار، مع ما يسمّى بـ «طوفان الأقصى»! ويتناسى هؤلاء، أنّ معايير النصر والهزيمة مختلفة! ولا يدركون معنى النضال والتحرّر والاستقلال، ولا يعرفون، وربما يتجاهلون من أجل خدمة أجندتهم الاستعمارية، وأجندة المموّلين الصهاينة! أن التضحية بكلّ ما هو غالٍ ورخيص، من أجل الحرية.. هي الأساس. فهم لا يدركون، إلا الاستعباد والخنوع والاستسلام والانبطاح، أمام كل ما هو صهيوني واستعماري غربي.
إذن نحن أمام نصر مهيب، في طوفان الأقصى الأول، بانتصار ساحق للثورة الإيرانيّة في 1979م، وأيضاً في طوفان الأقصى الثاني، في أكتوبر 2023م، حيث الآن وصلت الأمور بعد تبادل الأسرى، إلى بدء الانسحاب من محور نتساريم في غزة، الذي كان يعوق تحرّك الفلسطينيين إلى الشمال وفي كلّ غزة، ووقف شامل للعدوان الصهيوني على غزة، والانسحاب الكامل من كلّ غزة! فماذا بقي إذن للحديث عن نصر المقاومة وهزيمة الكيان الصهيوني وراعيته أميركا؟ المؤكد لا شيء.
ولذلك جاءت تصريحات ترامب، برغبته في الاستيلاء على غزة، وطرد أهلها جبراً إلى مصر والأردن، بل والسعودية، لضمّ غزة إلى الكيان وتوسعته، وتعويض الفلسطينيين بموطن جديد، تحت السيطرة الأميركية! ويتناسى هؤلاء أن الفلسطينيين قادرون على التضحية حتى الاستشهاد، تمسكاً بأرضهم، فماذا إذن هم فاعلون هؤلاء الاستعماريون الصهاينة؟! فهي دعوات «ترامبية»، للتغطية والتمويه على الهزيمة الصهيونية/ الأميركية، وغض النظر عن مشاهد الاستسلام في عملية تسليم الأسرى واستعراض القوة الذي تفرضه حماس والمقاومة خلالها، وإشغال كل الأطراف بما يستهلكون وقتهم وطاقتهم وجهودهم، في الخيارات العدمية.
فما لم يستسلموا إليه تحت النار، حيث لم يخرج الفلسطينيّون الشجعان في غزة منها، ورفضوا الترحيل بكل السبل (النار والإغراءات)، هل من المتصوّر أن يقبلوا ذلك، بعد وقف النار واستسلام العدو الصهيوني؟! فهذا مستحيل تماماً. ولا أنسى مقولة أحد قيادات المقاومة في حماس وفي الجهاد، «أطمئن يا د. جمال.. حتى لو فتحت كل المعابر، فلن يرحل فلسطيني واحد منها أبداً». إنّ هذه الكلمات تدوّي في أذني، كلما سمعت عن الهرتلات الحادثة على لسان ترامب، الكاوبوي الجديد الذي يحكم أميركا، ويتصوّر أنه يحكم العالم!
وفي ضوء كل المعطيات السابقة، بنصر المقاومة وهزيمة الكيان وأميركا، في طوفان الأقصى الثاني، فإنّ المنتظر هو طوفان أقصى ثالث قريباً، تستعدّ له المقاومة الشاملة، والتي تصرّ وتستهدف إزالة الكيان الصهيونيّ من المنطقة وتحرير أرض فلسطين كاملة من النهر إلى البحر، وإلى غير عودة. فالكيان في مرحلة الانهيار من الداخل، ويسهل الانقضاض عليه. وليس في تبنّي هاشتغات عودة الصهاينة إلى أميركا وبلادهم الأصلية، بدلاً من طرد فلسطينيي غزة والضفة وترحيلهم، والتي ظهرت بوضوح وتأييد عارم، ليست إلا مؤشراً على انهيار الكيان الصهيوني، ثم الانهيار الأميركي، وتفكك أميركا من الداخل كما حدث في الاتحاد السوفياتي عام 1991م. اللهم عما قريب طوفان أقصى ثالث بعد انتهاء وقف النار المؤقت…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية