أولى

قرار لبنان ووهم السيادة…!

 

 د. عدنان منصور*

 

مَن هو المسؤول عن القرار العجيب الفاضح في هذه الدولة المترنّحة العاجزة، الذي منع الطائرات المدنية الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت، تاركاً مئات المسافرين اللبنانيين عالقين في مطار طهران، والذين كانوا في زيارة للأماكن الدينية في إيران؟! مَن كان وراء القرار الأحمق الذي ترك وراءه تداعيات دراماتيكية، ما كنا نتمنّاها للعهد الجديد الذي يعلّق عليه اللبنانيون الآمال الكبار في إنقاذ وطن جريح وصون وحدة شعبه!
هذا القرار، قرار مَن؟ ووراءه مَن؟! ولصالح مَن؟! وفي خدمة مَن؟! هل هناك من مسؤول لبناني يجرؤ ليقول للبنانيين، كلّ اللبنانيين بصراحة كاملة دون مواربة أو استغباء، مَن كان فعلاً وراء هذا القرار، ومَن اتخذه، ومَن أملاه، ومَن فرضه، ومَن أطاع ومَن حرص على تنفيذه؟! هل كان القرار الذي اتخذ لصالح الدولة، والسيادة اللبنانية، وصالح اللبنانيين، ووحدتهم في هذا الظرف العصيب الحساس؟!
هل من حجة منطقيّة تقنع أيّ عاقل لبناني وغير لبناني، بأنّ منع الطائرات الإيرانيّة من الهبوط في مطار بيروت، غايته وهدفه منع الأموال الإيرانية من الوصول إلى جهة لبنانية معينة!
ليقل لنا المسؤولون المعنيّون في لبنان، أتريد الدولة أن تمهّد بهذا القرار الأحمق، وبحجج وأعذار واهية، تستند إليها مستقبلاً، بغية تقليص العلاقات الثنائيّة، أو قطع العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بأيّ شكل من الأشكال، والتخلّي عن الاتفاقات والبروتوكولات، وتجميد أعمال اللجنة الاقتصاديّة المشتركة، التي بالأساس معلقة كلها من الجانب اللبناني، حيث لم يتعاطَ معها المسؤولون المعنيّون يوماً باهتمام ومسؤوليّة ونيات طيّبة، ولا بأفعال إيجابيّة.
لماذا تدفعون البلد إلى الفوضى والانفجار وإلى ما لا يُحمَد عقباه؟! قولوا لنا ما الذي تريدونه فعلاً من منع الطائرات الإيرانيّة من الهبوط في مطار بيروت؟! ألأجل منع الأموال من الوصول؟! كيف تحكمون على فعل لم يحصل؟! أبالشكّ تحكمون يا سادة وتخمّنون؟! لماذا هذا الشكّ يطال دولة معيّنة واحدة ولم يطل غيرها أيضاً؟! لماذا يريد البعض توجيه الاتهام المسبق، لا سيما أنّ هذا الاتهام يمسّ دولة صديقة دون أن يستند إلى إثبات يدينها.
بموجب أيّ قانون دولي يتعلق بالطيران المدني يعطي الحق بمنع طائرة مدنية استناداً إلى الشك والاتهام المسبق دون دليل، على اعتبار أنها ستحمل أموالاً على متنها؟! وهل سبق للسلطات اللبنانية أن ضبطت أموالاً على متن الطائرات الإيرانيّة في مطار بيروت كي تعطيها الحجة الدامغة لتفعل ما فعلته؟! ولماذا الآن شربت الدولة حليب السباع لتقوم بما قامت به من اتخاذ قرارها «العظيم» منعاً لـ «خرق» الأموال الإيرانية السيادة اللبنانية؟! أين حليب السباع من اعتداءات العدو المتواصلة على لبنان وشعبه وانتهاك السيادة اللبنانية على مدى الساعة؟! هل تستطيع الدولة اللبنانية أن تتخذ قراراً تلزم الجهة الأميركية المعنية بما تحمله وتجلبه، المروحيّات الآتية من الخارج الى القاعدة الأميركية في عوكر؟! بالتأكيد لا! لأنّ الظنّ في هذه الحالة إثم كبير لا يُغتفر! لكن بالنسبة للطائرة الإيرانية فالظنّ هنا بريء كلّ البراءة، وهو «حق وواجب» وفي «مكانه الصحيح»! لنفترض أنّ هذه الطائرة الإيرانية محملة بالأموال، وحطت في مطار بيروت، فما هو دور السلطات اللبنانية في المطار؟! وما الذي يمنعها من استخدام حقها وصلاحياتها في تفتيش الطائرة، ومصادرة الأموال، واتخاذ الإجراءات الدبلوماسية التي تراها مناسبة حيال السلطات الإيرانية؟! مَن يمنعها من ذلك، إنْ كانت تتصرف ضمن الأصول، وبموجب القوانين الدولية واللبنانية والدبلوماسية؟! لكن أن يقوم مسؤول مغطى من مسؤولين بإصدار أوامر بسبب «توقعات»، أو أوامر خارجية لا تستند الى إثباتات، تسيء وتضرّ بدولة صديقة نقيم معها علاقات دبلوماسية، فهذا تصرّف متهوّر، لا يخدم مطلقاً العلاقات الثنائية للبلدين، ولا المصالح اللبنانية العليا، بل يترك ذيوله السلبية وآثاره العميقة السيئة على الشارع اللبنانيّ، ويدخل البلد في متاهات وخضات، وفوضى، هو بغنى عنها، وهذا ما حصل فعلاً على الأرض.
في زائير (الكونغو كنشاسا)، وأثناء الفوضى العارمة، والاضطرابات الأمنية التي ضربت البلاد طولاً وعرضاً عام 1993، قامت السلطات العليا بمنع الطائرات الأجنبية دون تمييز، من الهبوط في مطار كنشاسا. وبعد اتصالات حثيثة مع رئاسة الجمهورية الزائيرية، أذن الرئيس جوزيف موبوتو استثنائياً للسفارة اللبنانية ـ وكان الاستثناء الوحيد ـ أن تأتي طائرة «جامبو» تعود لـ «طيران الشرق الأوسط» لإجلاء الرعايا اللبنانيين من زائير. في مطار كنشاسا، طلب المسؤولون مني ـ حيث كنت سفيراً للبنان في الكونغو ـ (زائير سابقاً) عند هبوط الطائرة، وقبل السماح بصعود الركاب إليها، تفتيشها أمنياً.
رحّبت بذلك دون تردّد، لتبديد أيّ شك أمني، وبعد تفتيش الطائرة بدقة، صعد الركاب وعادت طائرة «الميدل إيست» بركابها الى بيروت، حيث كانت الطائرة الأجنبيّة الوحيدة التي سمحت لها الرئاسة بالهبوط في مطار كنشاسا في ذلك الوقت.
هذا في الكونغو، فماذا في لبنان؟! ما الذي كان يمنع لبنان من أن تأتي الطائرة الإيرانية، ومن ثم التأكد إذا ما كان طاقم الطائرة أو الركاب يحملون أموالاً أو لا، دون أن تتورّط مسبقاً بقرار متهوّر اعتباطي لا يستند الى أيّ دليل أو مسوغ قانوني؟! هل كان القرار الذي اتخذ، قراراً لبنانياً بحتاً، أم أنّ هناك جهة دولية وراءه لا يستطيع المسؤولون البوح عنه، أو يصعب عليهم تجاهله أو رفضه او التمرّد عليه؟! يبدو أنّ للبنان سيادتين: سيادة الدولة على الداخل، وسيادة الخارج على الدولة!
لكن مَن هي سلطة الخارج على سلطة الداخل؟! من يجرؤ على قول الحقيقة بصدق وشفافية كاملة دون مراوغة أو لفّ ودوران؟!
بعد سقوط بغداد عام 2003 حكم العراق إدارياً بين عامي 2003 و2004، السيّئ الذكر لويس بول بريمر، باعتباره رئيس سلطة التحالف المؤقتة، حيث عمل بقراراته على تمزيق العراق، وضرب وحدته، وتفكيك مؤسساته، وحلّ جيشه.
هنا نتساءل: هل ستكون نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط «السيدة المصون» مورغان أورتاغوس خليفة بول بريمر في لبنان، الآمر الناهي، والمندوب السامي الأميركي؟!
فخامة الرئيس… دولة الرئيس…
لبنان واللبنانيون في عنقكما، وهم لا يريدون وريثاً لـ بول بريمر على أراضيه، ولا إملاءات، ولا وصاية، ولا انتداباً ولا احتلالاً. أنقذوه. صونوا سيادته، وحصّنوا استقلاله الحقيقي، وقراره الحرّ قبل إغراقه في المستنقع الأميركي ـ «الإسرائيلي»!

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى