الدولة التي تستطيع مناقشة مصير السلاح

ناصر قنديل
– لم تكد الحكومة اللبنانية تقرر منع هبوط طائرة إيرانية في مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي في بيروت، استجابة لتهديد إسرائيلي، بعدما انكشف ضعف التبريرات الأخرى التي ساقها رئيس الحكومة نواف سلام، وثبت أن دولاً تتمتع مطاراتها بمعايير للسلامة أعلى من مطار بيروت وتتمتع حكوماتها بعلاقات أوثق مع الاتحاد الأوروبي تستقبل طائرات عائدة للشركات الإيرانية التي حظرتها الحكومة اللبنانية، حتى خرج رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يهدّد واضعاً جدول أعمال جديداً للحكومة، مضمونه تفكيك حزب الله ونزع سلاحه. والكلام يصدر للمرة الأولى على لسان نتنياهو، بعدما كان قد ربط في تصريح سابق، عشية نهاية مهلة الستين يوماً للانسحاب قبل تمديدها إلى 18 شباط، إكمال الانسحاب بنص صريح هو انسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني، بحيث فتحت الاستجابة للتهديد شهيّته على طلب المزيد.
– كلام نتنياهو بحسابات مشتركة مع واشنطن يستند إلى أن الفشل العسكري في نزع سلاح المقاومة في لبنان وغزة، لا يجب أن يكون نهاية الطريق، بل يجب العمل على استنهاض وضع داخلي لبناني وفلسطيني وعربي يحاصر المقاومة ويطرح معادلة افتراضية تلوّح بالعودة للحرب ما لم يتم نزع السلاح، في مناخ عربي ولبنان وفلسطين يريد أن يقرأ نكاية بالمقاومة أن الاحتلال قادر على العودة إلى الحرب ويملك فرص الفوز بها، ولن يطول الوقت حتى تتصاعد نغمة طرح مصير السلاح على الطاولة، بعدما أصيبت الحملة التي قامت على فرضية أن اتفاق وقف إطلاق النار تضمّن تعهداً مماثلاً، بنكسة كبيرة، لأنها استندت إلى نظريتين، الأولى تقول إن نتنياهو لن ينفذ الاتفاق إلا إذا نزع السلاح كبند ضمني في الاتفاق، وخرج نتنياهو يُسقط هذا الزعم بالحديث عن انسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني. أما النظرية الثانية المتصلة بفرضية نصوص الاتفاق فتقول إن رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قاد المفاوضات توصلاً للاتفاق يجب ان يخرج على العلن ليقول ما تمّ الاتفاق عليه. فخرج الرئيس بري وقال إن الاتفاق يطال جنوب الليطاني فقط، أما شمال الليطاني فموضوع للحوار الوطني في صياغة استراتيجية وطنية للدفاع.
– عملياً موضوع السلاح يوسوس في عقول الكثيرين، ويحرّضون الحكومة على فتح ملفه، دون أن يجرؤ أحد على التحدث عن نزع سلاح بالقوة، لأن الجواب سوف يكون، ألف مرّة حرب مع “إسرائيل” ولا حرب أهلية واحدة، ولأن الموضوع سوف يبقى في التداول لا بدّ من تحديد الشروط التي تخول الحكومة فتح الباب للبحث فيه، لأن التمسك بنص حق الدولة في احتكار حمل السلاح لا يكفي، لأن هذا الحق مشروط بواجب هو منع العدوان وتحرير الأرض، وإلا إذا تخلّت الدولة عن هذا الواجب فإن الحق أعلى مرتبة من حق الدولة باحتكار حمل السلاح يكون حق الشعب في مقاومة الاحتلال والدفاع بوجه الاعتداءات، فكيف يمكن للدولة أن تحمي وأن تحرّر؟
– لعل المشهد الآتي من سورية القريبة، وهو مشهد طازج ومتكرّر على مدى شهرين، يقول للبنانيين، إن تلبية الرغبات الإسرائيلية والتغاضي عن الانتهاكات الإسرائيلية، وتفادي الاشتباك معها، والرهان على العلاقات الدولية والإقليمية لوقفها، وصفة سيئة وفاشلة، على الرغم من أن ما قدّمه الحكم الجديد في سورية لـ”إسرائيل” من خدمات لا تستطيع الدولة اللبنانية تقديم بعض قليل منها، فقد أخرج الحكم الجديد في سورية إيران وأنهى موقع سورية في محور المقاومة وأخرج حزب الله وقطع خط إمداده، وبدلاً من أن تحسب “إسرائيل” هذه التقدمات كأسباب لمراعاة الحكم الجديد وعدم إحراجه، خرج قادة الكيان يقولون إنهم هم من فعل كل ذلك وأسقطوا النظام السابق وإن الحكم الجديد مدين لهم بالوصول إلى السلطة وعليه أن يدفع ثمن هذا الدين، بقبول ضمّ الجولان الى كيان الاحتلال والتغاضي عن “الضرورات الأمنية” للاحتلال في الأراضي السورية، أما على صعيد العلاقات والأهمية الدولية والإقليمية، فإن دولاً بوزن تركيا وقطر تجنّدت للضغط في واشنطن من أجل عدم إحراج الحكم في سورية ولم تلقَ آذاناً صاغية، ولا يملك لبنان من يتجنّد له بصورة أقوى، والنتيجة بسيطة لا جدوى من الرهان على الانحناء أمام الطلبات الإسرائيلية أو الرهان على العلاقات الدولية لتجنّب التعرّض للعدوان والاحتلال.
– ثمة طريق واحد هو امتلاك القوة، والدولة تستطيع ذلك، وتقديم مثال لدولة تحمي شعبها من العدوان وتقوم بتحرير أرضها، وإذا احتاجت المقاومة وسلاحها في التحرير، فهذا احتياج مؤقت، لأن احتياج المقاومة وسلاحها في الدفاع سوف يكون أقل، إن هي بنت جيشاً قادراً على الدفاع. ونقطة البداية هي امتلاك شبكة دفاع جوي أسوة بدول مثل تركيا ومصر وباكستان أقرب لأميركا من لبنان، لكنها لم تتردّد في الحصول على شبكات دفاع جوي روسية لحماية أجوائها، وهذا هو مضمون الاستراتيجية الوطنية للدفاع، كي تستحق هذه الاستراتيجية أن تسمّى وطنية، أي أنها موجودة لحماية الوطن، فقط.