وعدنا الصادق الذي افتقدناه

النقيض يستفزّ نقيضه، وتواجد الشيء، يفضي إلى تواجد نقيضه، ووجودنا المادي، يؤدّي بالضرورة إلى وجودنا اللامادي، بالمعيار القيَمي والأخلاقي والنفسي والروحي، أستطيع أن أجزم بأنّ ترامب، هذا الأنجلوساكسوني الذهبي، هو النقيض المطلق والكلّي لسماحة سيد المقاومة، شهيد الأمة، السيد حسن نصرالله، فبالقدر الذي يتفطّر هذا الشعبوي الكذاب حبّاً للحياة الدنيا، ورغبة للامتلاك والتملّك والاكتناز، بالقدر الذي كان سيّدي، وسيد المقاومة، زاهداً مترفعاً مبتعداً عن كلّ أشياء هذه الحياة الفانية، وبالقدر الذي لا يتشدّق ذلك النرجسي السّادر في عشقه لذاته الآثمة إلّا بالأضاليل والترّهات وساذج القول وتافهه، بالقدر الذي لم ينطق الوعد الصادق إلّا بالحقيقة والثقيل من القول والحكمة والمثل الطيب السديد…
لقد غدت الأوطان في زمن هذا الأفّاق، القابع في البيت الأبيض عقاراً يُشترى ويباع! خروج فظّ صارخ على قوانين الطبيعة، فالذرات والخلايا العضوية الحيوية تحافظ على وجودها من خلال ذلك التوازن القائم بين القوة الجاذبة المركزية، والقوة الطاردة المركزية، وطالما انّ القوّتين متعادلتان، طالما حافظت هذه الكينونة الجزئية على الوجود الطبيعي كما عهدناه، أما في حالة دونالد ترمب، فلقد تغلبت القوة الجاذبة المركزية على القوة الطاردة المركزية، فتحوّل هذا الشيء إلى ثقب أسود يسير على قدمين، من دون الجلبة، والصخب الذي يواكب انهيار النجوم العملاقة، وتحوّلها الفيزيائي إلى ثقب أسود، ولكن بنفس الآثار الميكانيكية، فترامب تحوّل إلى كتلة مادية لا عمل لها سوى الاستحواذ والاكتناز، ومزيد من الاستحواذ والاكتناز، والرغبة العارمة في المراكمة، وما العقل لديه إلا للتخطيط لذلك، ولتبرير ذلك، ولمحاولة إقناع الآخر بشرعية ذلك، حتى المعيرة الجمالية الشيطانيّة لديه لا يراها إلا في نموذج واحد، وهو نموذجه الذهبي ذو الأنف الروماني، والشفاه الهبسبيرغية، والعيون اللويزية، ولا يرى إلا نموذجه الأصفر، فلا مكان لجمال آخر كمثل الأنف الأعقف، أو الأفطس بحذر، والشفاه الضيّقة، والعيون المهاوية…
هكذا دائماً، فالحقيقة والجمال لديه منحسران في بؤرة ضيقة لا تحتمل الآخر، بينما في النظرة الكلية، الحقيقة متكوّرة، والجمال متعدّد متنوّع، والأحرى أنه يقبع في الخبيئة، وليس في الظاهر من المادة، فيتدفق خلقاً حسناً ورأفةً بالناس وإقراراً بالتنوع، وحقيقة الأمر هي أن نقيض الخير وممثل الشيطان على الأرض لا يمكن إلا أن يكون جذاباً مبهراً يسرّ الناظرين، ولو كان منفّراً بشعاً،
إذن فأين الجهد الإنساني في مقاومة قدرته على الجذب والخداع المادي، فالحذر الحذر من الصفراء فاقع لونها تسرّ الناظرين، والحذر الحذر من ذلك البليون الذهبي الذي يقبع على قمته، في هذا الزمن الساقط، رجل مثل دونالد ترامب…