أخيرة

الطيران «الإسرائيلي» وأزمة المثقف العربي*

 

ماذا يمكن للمثقّف العربي أن يخسر بعد أن قطعوا لسانه، وصادروا أصابعه، وحوّلوه إلى موظّف في أرشيف وزارة الإعلام؟
وفي المعلومات:
أرسلت الأمم المتحدة فريق عمل إلى أوروپا ليطرح على الرأي العام السؤال التالي: ما رأيكم بانقطاع التيار الكهربائي؟
وبعد فرز الأجوبة كان الجواب واحدًا: ما معنى انقطاع؟
انتقل الفريق إلى القارة السوداء، وطرح السؤال ذاتَه، وكان الجواب: ما معنى التيار الكهربائي؟
وعندما وصل الفريق إلى العالم العربي، وطرح السؤال من جديد، جاء الجواب: ما معنى… ما هو رأيك؟
قد تكون هذه المعلومة طرفة، وهي بالفعل طرفة، لكنها موجعة، وتحمل قلق الإنسان العربي من «المحيط إلى الخليج». فعندما تفقد الشعوب قدرتها على إبداء الرأي، فإنما يتحمّل مسؤولية ذلك نخبةُ المفكرين الذين استقالوا، أو تقاعدوا، أو قعدوا، وأفسحوا في المجال لآلهة النظام كي يفصّلوا رأياً عامّاً يناسب كلّ الأذواق، وكلّ القياسات، وكلّ العقد الموروثة من السلطنة العثمانية، طالما أنّ أجهزة الإعلام، مرئيّةً ومسموعةً ومقروءةً، هي ملك خاصّ لهم.
ولولا ذلك لما تجرّأت «إسرائيل» على العربدة في لبنان… إنها اليوم تقصف، تدمّر، تقتل، تشكّل الحرائق… وغداً ستكون في أحضاننا… وبعد غد لن يكون لعربيّ موطئُ قدم في أرضه، ومن لا يصدّق فليقرأ «پروتوكولات حكماء صهيون»!
ورغم ذلك يقف الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض ليحمّل المقاومة الوطنية في لبنان، وليحمّل سورية، مسؤولية ما حدث!
شكراً لأميركا…
إنها، بذلك، تعطي المقاومة الوطنية اللبنانية شرف المواجهة، وتعطي سورية حريّة القرار، ليس في ساحة المعركة فقط، وإنما على طاولة المفاوضات أيضاً!
وشكراً للدول العربية…
فقد اتخذت قراراً «بمساندة» لبنان في شكواه ضدّ «إسرائيل»، أمام مجلس الأمن الدولي!
وشكراً للمثقفين…
فالمعركة لا تعنيهم بشيء… آبار النفط تجفّ إنْ تجرّأوا وقالوا كلمة حقٍّ في وجه العالم. تذكّروا ما فعله المثقفون في فرنسا أيام الاحتلال النازي، بل تذكّروا ما فعلوه إبّان ثورة الجزائر.
إقرأوا أدب أميركا اللاتينية…
عودوا إلى القراءة… فلقد صرتم أمّيين.
يا مثقفي العالم العربي…
أمامكم فرصة لتثبتوا ولاءكم للوطن، ارفضوا السلام «الإسرائيلي»، اقلبوا طاولة المفاوضات، فالمقاومة الوطنية اللبنانية، والمقاتلون الفلسطينيون، وأطفال الحجارة، ولبنان وسورية، كلّهم بحاجة إلى من يقف معهم في معركة تساوي وجودنا.
وأنتم تحملون ضمير الأمة، وعليكم تقع هذه المسؤولية.
31/7/1993

*من كتاب «وطن للبيع فمن يشتري» الذي صدر عام 1995، وفيه قراءات في السياسات العربية بين عامي 1993 – 1995.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى