إرادة المقاومة فوق ترامب والنتن/ياهو…

د. جمال زهران*
صبرت المقاومة خلال الأسابيع الخمسة السابقة، على عدم التزام الكيان الصهيونيّ، بما تمّ الاتفاق عليه، وذلك منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 18 يناير/ كانون الثاني 2025م، والمقرّر امتداده حتى ثلاثة أشهر، يتمّ بمقتضاه تبادل الأسرى، ووقف العدوان الصهيونيّ على شعبنا العربي في غزة، والانسحاب الكامل، وأهمّ مراحله الانسحاب من محور “نتساريم” بوسط غزة، والذي أتاح الفرصة للفلسطينيين في غزة، بالتنقل إلى شمال غزة والعودة إلى ديارهم، إلا أنّ المقاومة عندما فاض بها الكيل والصبر، أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستتوقف عن تسليم الأسرى في موعده المقرّر/ السبت الموافق (15) فبراير (شباط)، وذلك بسبب واضح هو: عدم التزام الكيان الصهيوني ببنود الاتفاق، حيث كان من المقرّر هو: فتح المعابر لدخول حجم مساعدات أضعاف/ أضعاف ما تمّ، ودخول شاحنات غاز وبترول أضعاف/ أضعاف ما تمّ، ودخول معدات نقل ثقيلة لإزالة الدمار وبقايا الهدم، ودخول خيام وبيوت جاهزة، وغير ذلك. إلا أنّ الكيان الصهيوني، لم يُدخل هذه المتطلبات، ويُصرّ على حصار غزة وشعبها، والتنكيل بهم، ووضعهم في تحدّيات صعبة، وكأنه يحاول أن يجبرهم على الرحيل الطوعيّ، وتحت الضغط والحصار! وهو بذلك يجهل المعرفة بطبيعة شعب الجبارين؟! وعندما وجدت المقاومة، هذا التعنت، وعدم الالتزام، أعلنت بكلّ وضوح، وعلى لسان متحدّثها الرسميّ المناضل/ أبو عبيدة، أنها لن تواصل عملية تسليم الأسرى ابتداءً من السبت 15/ فبراير (شباط)، بسبب عدم الالتزام الصهيونيّ.
الأمر الذي جعل الدنيا تهيج ولا تقعد، ووجدنا ردود فعل عنيفة، من النتن/ياهو، ومن ترامب شخصيّاً، وصلت إلى التهديد بمعاودة ضرب شعب غزة بدرجة أسوأ مما كان سابقاً طوال الـ (15) شهراً، ومعاودة الدمار الشامل لغزة وشعبها، من ترامب (فنجري بق!)، وكأنّ أميركا لا تعلم ماذا فعلوا من جرائم ومجازر في غزة، حتى لم يبقَ فيها إلا شعبها، بعد الدمار الشامل للمباني ومراكز الخدمات (صحة/ تعليم/ مياه/ مدارس/ جامعات/ مصالح حكوميّة/ بيوت المدنيين إلخ…) والتي لم تعُد صالحة للحياة! ووجدنا اليمين المتطرّف، بقيادة بن غفير (الوزير المستقيل من عصابة النتن/ياهو)، يواصل تهديداته، ويعلن أنه يمكن أن يعود للحكومة، حال عودة واستمرار الجيش الصهيوني، بضرب غزة وشعبها، ووضعهم تحت النار والتهديد! بل إنّ ترامب شخصياً، هدّد المقاومة وخاصة حماس، بأنّها إذا لم تسلّم الأسرى يوم السبت كما هو مقرّر، وزاد أنه يجب تسليم كلّ الأسرى دفعة واحدة، ولا يمكن الانتظار كلّ أسبوع يتمّ الإفراج عن اثنين أو ثلاثة من الأسرى، وإلا سيحوّل غزة إلى جحيم، أكثر مما هو حادث! فماذا كان ردّ المقاومة الفلسطينية الشجاعة، نحن نلتزم بنصوص اتفاق وقف النار، ووفقاً للمواعيد، ولا نلتفت إلى تصريحات وتهديدات ترامب والنتن/ياهو، وسنعتبرها كأنها لم تحدث أو تقال، مؤكدين على الالتزام بالاتفاق!
أما ردّ الفعل الصهيوني، فانحصر في اجتماع للكابينت الصهيوني، والإعلان عن مطالبة حماس بالالتزام بالإعلان عن الأسرى الثلاثة المقرّر الإفراج عنهم يوم السبت، مقابل معاودة الالتزام من جانب حكومة النتن/ياهو، بما تم الاتفاق عليه!
وبشكل متواز، ونتيجة تدخلات الأطراف الضامنة للاتفاق، وهي/ أميركا – مصر – قطر، أن انصاع النتن/ياهو، لضغوط المقاومة، والتراجع الواضح عن الموقف التصاعدي، الذي لم يجد له صدى عند المقاومة، إلا بالمزيد من التشدّد والمطالبة بالالتزام بمقررات الاتفاق. وقد طالبت الأطراف الداعمة الدعوة إلى المباحثات بشأن المرحلة الثانية، وقد كان النتن/ياهو، متزمّتاً، ومتشدّداً ومتردّداً، بشأن مواصلة السير في التفاوض، بعد زيارته لأميركا ومقابلة ترامب! وقد كان يشعر، بأنه أصبح مدعوماً، ودعماً مطلقاً من ترامب، يجعله يعاود الاستمرار في الحرب، والهيمنة على الإقليم! ولم يدرك هذا النتن/ياهو، أنّ أميركا هي التي تدير، ومن ثم يمكن لها الرجوع عن التصريحات في أيّ لحظة، والسوابق شاهدة!
وعلى مدار يومَيْ الخميس 13 فبراير، والجمعة 14 فبراير، فتحت المعابر، وتمّ نقل ودخول المطلوب لغزة، وبالتضاعف، لتعويض عدم دخول ما فات، ودخلت المساعدات، وناقلات الغاز، والبيوت الجاهزة، والمعدات الثقيلة، من أجل إزالة الهدم والدمار. وكان في المقابل، فإن المقاومة أعلنت قائمة الأسماء الثلاثة الأسرى الذين سيتم الإفراج عنهم يوم السبت 15 فبراير/ شباط، وأعلن النتن/ياهو، عبر مكتبه، قبول ذلك، والاستمرار في تنفيذ مقررات الاتفاق!
وهنا فإنّ السؤال: من يملك القوة لتنفيذ مقررات الاتفاق، وفرض الإرادة على الكيان الصهيوني؟! أليست المقاومة؟!
حقاً… وليس زعماً أو ادّعاءً، فإنّ المقاومة بقيادة حماس والجهاد، ومعهما كلّ شقيقاتهما من تنظيمات المقاومة، هي التي تفرض إرادتها، بلا أدنى حدّ من المبالغة. فالمنتصر هو الذي يفرض شروطه، ويفرض إرادته. وفي علم الصراع وعلم التفاوض، فإنّ أيّ اتفاق هو محصّلة إدارة الصراع، وهو حصاد نتيجة المعركة الدائرة، والصراع عموماً. بل هو انعكاس لنتيجة المعركة. وعلى مدار (15) شهراً بين (7) أكتوبر 2023م، وعمليّة طوفان الأقصى، فشل جيش الكيان الصهيوني، وعصابة الحكم برئاسة النتن/ياهو، في تحقيق أيّ هدف من أهدافهم المعلنة وعلى ألسنتهم جميعاً. حيث لم يتمّ القضاء على المقاومة وخاصة حماس، ولم تتمّ عملية السيطرة الكاملة على غزة، ولم يتمّ الوصول للأسرى والإفراج عنهم بالقوة، وغيرها. ولم يكن أمام هؤلاء الصهاينة بفرط القوة العسكرية التي يمتلكونها سواء من داخل الكيان أو عن طريق أميركا ذاتها، ودعم الغرب الأوروبي الاستعماري كله، سوى التدمير والقتل والتشريد والحصار والتجويع لشعب غزة، حتى أصبحت غزة كلها تحت الحصار وغير صالحة للحياة. وكلما أعلن النتن/ياهو، وجيشه، أنه قد قضى على المقاومة وأصبحت منطقة تلو أخرى، تحت سيطرتهم، تخرج عليهم المقاومة بعملية نوعية كبرى، تؤكد وجود المقاومة، وتؤكد الفشل والفضيحة للكيان وعصابة الحكم!! كما أنّ الصمود الأسطوري لشعب غزة، هو صمود خيالي، على مدار (15) شهراً، وحتى الآن تجاوزت الـ (16) شهراً، استمر الشعب تحت “النار والحصار”! وهو شيء لا مثيل له. إذن مَن المنتصر؟! ومَن يفرض إرادته؟! وكيف تمّ التوصل إلى اتفاق وقف النار؟!
إنّ الكيان الصهيوني وصل للإنهاك، وكذا الولايات المتحدة، وأوروبا الاستعمارية، ولذلك هم مَن سعوا لوقف النار، والاتفاق، والخضوع لشروط المقاومة، ومنها: الانسحاب الكامل، ووقف الحرب والعدوان، وتبادل الأسرى، وفتح المعابر أمام المساعدات الشاملة، وأدوات إعادة التعمير وإزالة آثار العدوان، وعدم الوقوف أمام حركة شعب غزة، والعودة إلى الشمال إلخ… فكلّ هذا من شروط الاتفاق، وحدث بالفعل، وبحلول الأسبوع الخامس، وتبادل الأسرى السادس، أوقفت المقاومة العملية، راصدة بذلك المخالفات الصهيونية، وكان لها ما أرادت. وهنا لا ينسى طلب أحد أعضاء الكينست، نسخة من اتفاقية وقف النار مع حماس نيابة عن المقاومة كلها، رفض النتن/ياهو، باعتبارها من أسرار الأمن القومي الصهيوني!! لأنّ العصابة اضطرت لوقف النار، بعدما أنهكتها المقاومة، التي فرضت الشروط.
وختاماً… أرادت المقاومة، منذ طوفان الأقصى في أكتوبر 2023م، أن تكون نهاية المعركة صفرية ووجودية، بإنهاء الوجود الصهيوني تماماً، إلا أنّ الوسطاء والأطراف الدولية، أرادت أن تكون النتيجة بالنقاط لصالح المقاومة حفاظاً على ماء وجه الصهاينة والأميركان، ولذلك فإنّ كلّ الترتيبات هي مقدّمة معركة الطوفان الثالثة عما قريب، وهنيئاً للمقاومة التي فرضت وتفرض وستفرض إرادتها، حتى نهاية الكيان الصهيوني، وهي قريبة، بإذن الله…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية