المقاومة والسلاح والبيان الوزاري

ناصر قنديل
– إذا قلنا إن البيان الوزاري يلبي المطلوب وطنياً من وجهة نظر المقاومة ومؤيديها كخيار وطني كبير، ودعونا بعض الرؤوس الحامية الى تخيّل أن المقاومة الإسلامية صار اسمها الدفاع الإسلامي والمقاومة الوطنية صار اسمها الدفاع الوطني، طالما أن التحرير والدفاع هما في النهاية دفاع بوجه عدوان متمادٍ يتعرّض له لبنان ولا يزال. والمقاومة هي أداة من أدوات هذا الدفاع، وإعادة قراءة البيان الوزاريّ، لأن القضيّة لم تكن يوماً في المفردة اللغوية المستخدمة بل في جوهر الموقف المطلوب، ربما يُصاب هؤلاء بالسكتة الدماغيّة، بعدما تلقوا ضربتين على الرأي واحدة بكلام رئيس الجمهورية عن الحوار الوطني كخيار لمناقشة مستقبل سلاح المقاومة، والثانية بتأكيد رئيس مجلس النواب عراب اتفاق وقف إطلاق النار وصاحب أسراره إن وجدت، أن الاتفاق محصور في جنوب الليطاني، وأن سلاح المقاومة شمال الليطاني مسألة من اختصاص الحوار الوطني.
– بالعودة إلى البيان الوزاري، لم يكن التأكيد على حق الدولة باحتكار حمل السلاح موضوع خلاف من وجهة نظر أهل المقاومة، بل كان النقاش حول الواجب الذي يمنح القيام به وتأديته على أتم الوجوه للدولة جدارة ممارسة هذا الحق، ويؤدي التلكؤ في أدائه إلى إعلاء شأن حق آخر عليه هو حق الشعب بالدفاع المشروع عن النفس، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، الذي لم ترد الإشارة إليه كمرجعيّة للبيان جزافاً، لأنه ورد في ميثاق الأمم المتحدة كحق للدولة والشعب فرادى وجماعات، وأن تقرّر الدولة هذه المرة الاستعداد للقيام بواجب الدفاع والتحرير، كما ورد في البيان، فتلك نيات حسنة وطيّبة تستحق التنويه، وجديرة بالمتابعة، لتبنى على الحصيلة العملية للأفعال الخطوات التي توجب مساندة الدولة في ممارسة حقها باحتكار حمل السلاح، دفعة واحدة أو بالتدريج، حيث يقول البيان الوزاري إن الدولة تريد جيشها صاحب عقيدة قتالية يدافع ويحرّر وتريد تمكينه وتجهيزه بما يلزم للقيام بذلك. وهذا مسار يعرف المعنيّون أن بدايته معلومة، وهي امتلاك شبكة دفاع جوّي تضع حداً للانتهاكات الإسرائيلية المتمادية، وكل اللبنانيين ينتظرون رؤية الحكومة تُشرع في ذلك.
– الدولة التي ترغب بتأكيد حقها باحتكار حمل السلاح، معنيّة بأن تستعيد لأبناء المناطق الحدوديّة ذلك الشعور بالأمان الذي عرفوه يوم كانت المقاومة تحميهم طيلة ثمانية عشر عاماً بين عامي 2006 و2024. وهذا هو المقياس لنجاح الدولة في امتحان أداء الواجب الذي يسقط بدونه كل حق في احتكار حمل السلاح، لأن الأهم من الجهة التي تحمل السلاح، النتيجة المترتّبة على حمله في رصيد السيادة الوطنية، وفي حساب تحقيق الأمان والاطمئنان للشعب، وطالما أن المقاومة التزمت بموجب مغادرة منطقة جنوب الليطاني وصارت المنطقة عهدة حصرية للدولة تحتكر حمل السلاح فيها، فتلك فرصة ذهبية لتزاوج ثلاثة مسارات تحدّث عنها البيان، التزام الدولة بالدفاع والتحرير، بناء الجيش وتجهيزه، والانطلاق في مسار مناقشة سياسة دفاعية متكاملة كجزء من استراتيجية أمن وطني على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية. وها هو الاحتلال يعلن عدم الانسحاب من جزء من الأراضي التي احتلها، إضافة لبقاء أجزاء أخرى محتلة ضمن الخط الأزرق كحال الجزء اللبناني من بلدة الغجر، وأجزاء عالقة منذ العام 2000 بين الخط الأزرق وخط الهدنة.
– البيان الوزاريّ خطوة بالاتجاه الصحيح، والالتزام بمضمونه وتحويله إلى خطط عمليّة تترجم فوراً، هو التحدي الحقيقي الذي يستحق روحاً تعاونية بين الدولة والمقاومة، بعيداً عن أحلام البعض وأوهامه.