نقاط على الحروف

وصفتكم مردودة.. وإليكم وصفة بديلة

 

ناصر قنديل

 

– انتهت المهلة وتوافق الضامن الأميركي مع المحتل الإسرائيلي على «شرعية» انتهاك الاتفاق ومعه انتهاك السيادة اللبنانية وسرقة مواقع لبنانية استراتيجية ووضعها تحت الاحتلال. وباسم الضعف وعدم القدرة يتحدّث لبنانيون عن ضرورة التأقلم مع زمن القوة الإسرائيلي، المدعوم أميركياً والذي يهدّد بالحرب والتدمير والمجازر، متجاهلين أن «إسرائيل» القوية هذه فشلت في احتلال قرية أو بلدة لبنانية واحدة خلال الحرب، لكنها احتلت 47 بلدة وقرية خلال مهلة تطبيق وقف إطلاق النار برعاية معادلة الرهان على الدبلوماسية، ومراجعة الراعي الأميركي، لكن لا مانع مجدداً من الدبلوماسية طالما أن ميزان القوى السياسي الداخلي في لبنان، وليس ميزان القوى العسكري بين المقاومة والاحتلال، يفرض على المقاومة التراجع خطوة إلى الوراء وإتاحة الفرصة للدولة التي تقول إنها تريد أخذ الأمر على عاتقها لتحاول استرداد السيادة المنتهكة، لكن هذه ليست فرصة لاختبار وابتكار وصفات فاسدة تنتهي بتضييع مزيد من السيادة.

– الوصفة الفاسدة التي يتحدّث عنها بعض المتذاكين ضعيفي البصر والبصيرة تتحدّث عن تسليم المقاومة لسلاحها، كي يقوى موقع الدولة دبلوماسياً في طلب الانسحاب الإسرائيلي، وكأن الأميركي الذي يقدم التغطية الإسرائيلي يعيش مشكلة الحجج والذرائع وقوة المنطق، وليس هو مَن صاغ الاتفاق وهو مَن تخلى عنه، صاغه لأنه في لحظة ولادته كان مخرجاً مطلوباً من الفشل الذي أصاب الجيش الإسرائيلي في جبهات القتال وليس حباً بلبنان ولا حماية لسيادته، وقد امتدت المفاوضات لأسابيع تحت سقف شروط إسرائيلية يحملها الأميركي، حتى فقد جيش الاحتلال القدرة على مواصلة القتال وتحمل تبعات التبادل الناري الذي بلغ يوم 24-11 من جانب المقاومة ذروة فاقت قدرة «إسرائيل» على التحمّل، والأميركي نفسه الذي صاغ الاتفاق وفّر غطاء خرقه بتمديد المهلة ويوفر الغطاء مجدداً لاقتطاع جزء من الأرض اللبنانيّة كرمى لعيون الدلع الإسرائيلي فقط.

– أصحاب الوصفة الفاسدة حول السلاح، فشلوا سابقاً بتسويق كذبتهم عن أن في الاتفاق نصاً ضمنياً حول نزع السلاح، بعدما تحدّث رئيس مجلس النواب نبيه بري عرّاب الاتفاق ولم ينف كلامه شريكه في صياغة الاتفاق من الموقع المقابل عاموس هوكشتين، وأكدت التصريحات الإسرائيلية المتلاحقة كلام بري، ثم أيده كلام رئيس الجمهورية العماد جوزف عون الذي واكب مفاوضات ما قبل الاتفاق ونص الاتفاق وكان مشرفاً على التنفيذ كقائد للجيش قبل انتخابه رئيساً للجمهورية، وجوهر الكلام المتطابق من مصادر متعدّدة بصورة قاطعة، هو أن الاتفاق محصور في جنوب الليطاني وأن مستقبل السلاح يناقش عبر حوار وطني لبناني داخلي ضمن إطار وضع استراتيجية للدفاع الوطني. بسبب سقوط السردية المزوّرة جاء أصحاب الوصفة الفاسدة بابتكار سخيف، عنوانه حقق لـ«إسرائيل» ما تريد كي تتجنب عدوانها، بينما كل وقائع ما حولنا وما سبق وجرى معنا يقول، إنك كلما حققت لـ«إسرائيل» طلباً وضعت لك على الطاولة طلبات.

– نحن هنا لا نناقش أطروحة أصحاب الوصفة الفاسدة لنقول بالعودة إلى الحرب، أو بالعودة للمقاومة فوراً، بل نقول إن من حولنا نموذجين لتطبيق هذه الوصفة الفاسدة، نموذج السلطة السورية الجديدة، ونموذج السلطة الفلسطينية، وقد طبقت كل منهما الوصفة الفاسدة نفسها، فتخلّت السلطة السورية الجديدة عن مجرد حق إعلان الموقف برفض ضمّ الجولان المحتل، وتخلّت عن حق رفع الصوت بوجه تدمير مقدرات الجيش السوري الهائلة، وتخلّت عن حق الاحتجاج الشعبي والسياسي والاعلامي، على الأقل، بوجه التوغلات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، ولم يشفع لها ما قدمته من خدمات هائلة للاحتلال بإسقاط النظام السابق وإخراج إيران وحزب الله من سورية وقطع طريق إمداد المقاومة في لبنان وفلسطين، ولا منع السلاح على قوى المقاومة الفلسطينية ومنع ممثليها من مجرد إصدار البيانات من دمشق بمن فيهم حركة حماس التي خاطرت في سنوات مضت بكل تحالفاتها كرمى لدعمها للذين صاروا في الحكم اليوم، ولم ينفع كذلك كل السعي الدبلوماسي لدولة إقليمية عظمى عضو في الناتو هي تركيا لضمان تخفيض الإحراج الإسرائيلي للحكم الناشئ في سورية تقديراً لخدماته ورغبته بعدم إزعاج الأمن الإسرائيلي. أما حكاية السلطة الفلسطينية التي ارتضت أن تحوّل أجهزتها الأمنية إلى قوة ظل للامن الإسرائيلي تنفذ أوامره بملاحقة المقاومة، وتغاضت عن كل التغول الاستيطاني في الضفة الغربية والتهويد في القدس، فهي حكاية معلومة من القاصي والداني، ومعلوم ماذا كانت النتيجة غير مزيد من التوغل والبلطجة؟

– أصحاب الوصفة الفاسدة يعلمون أنهم لا يملكون جواباً على سؤال، ماذا لو تمّ تسليم السلاح وفشلت وصفتهم، وحصل ما هو متوقع بأن زادت الطلبات الإسرائيلية، ودائماً بتغطية أميركية، هل يفيدنا عندها أن يعترفوا بأنهم حمقى وأغبياء، أو أن يعتذروا لأنهم أخطأوا، وهل تدار الأوطان بهذه التفاهة وهذا الاستهتار، وهم يعرضون بضاعتهم الجديدة تهرباً من الشعور بالمسؤولية، وتهرباً من مواجهة الحقيقة التي تقول إن رهانهم على الأميركي قد خاب، وثبت ما نقوله دائماً، من أن أميركا تفكر في المنطقة بعقل إسرائيلي، وترى بعيون إسرائيلية، ومن يريد مصلحته الوطنية عليه أن لا يبني حساباته على ما تقوله وتفعله أميركا، وها هي أوكرانيا تدفع ثمن هذا الغباء، ومثلها أوروبا كلها، فهل نكرّر أخطاء الغير حتى نتعلم؟ ثم أليس الأمر شبيهاً بما جرى بعد الاجتياح الاسرائيلي عام 1982، يوم قال آباء هؤلاء وأجدادهم أن «إسرائيل» لا تريد شيئاً من لبنان وكل ما تريده هو إخراج منظمة التحرير الفلسطينية، وفي 21 آب 1982 خرجت منظمة التحرير، لكن «إسرائيل» بقيت حتى 25 أيار 2000، عندما أخرجتها المقاومة على رؤوس الحراب.

– النتيجة لبقاء الاحتلال معلومة، وبدأت إشارات بعض الخبراء الأميركيين تكشف مضمونها، وجوهرها مقايضة الأراضي المحتلة باتفاقية سلام، فيها تطبيع وترتيبات أمنية وثقافية وإعلامية، تنهي كل ما يتصل بالعداء لـ«إسرائيل»، تماماً كما حصل في اتفاق 17 أيار وأكثر، ولذلك فإن وصفتنا البديلة دبلوماسيّة، لكنها ليست موجّهة لجماعات الوصفات الفاسدة والمسمومة، بل للدولة، لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والحكومة، وتنطلق من نص البيان الوزاري الذي يتحدث عن تجهيز الجيش ليكون مَن يدافع ومَن يُحرّر، ونسأل لماذا لا تكون الخطوة الأولى في هذا الطريق إعلان العزم على امتلاك شبكة دفاع جوي، وهذا حق سياديّ لكل دولة، وصالح للبدء به فوراً، وإعطاء أولوية التجهيز لدول الغرب، والانفتاح على روسيا والصين، والتعرف على المواصفات والأسعار وشروط الشراء، وسوف ترون حجم التدخلات والعروض لثني لبنان عن فعل ذلك، لا لشيء إلا لأنه يزعج «إسرائيل» التي تريد الأجواء اللبنانية مفتوحة لطيرانها ليسرح ويمرح ويقصف كما يشاء، وعلى لبنان الإصرار هنا، والسير قدماً بخطوات عملية، وها هي تركيا الأطلسية تشتري من روسيا شبكة دفاع جوي، ومثلها مصر والسعودية وباكستان، وسوف تكتشف الدولة اللبنانية كم هي قوية بمجرد التلويح بنية امتلاك القوة التي تزعج «إسرائيل»، وسوف تكتشف الدولة اللبنانية أنها قادرة إذا رغبت بمقايضة هذه الشبكة بانسحاب «إسرائيلي» كامل من كل الأراضي اللبنانية المحتلة وضمان وقف الانتهاكات الجوية.

– وصفة لم تجرّبوها من قبل ولن تخسروا شيئاً بتجربتها. فلم لا تجرّبوا؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى