مقالات وآراء

كلمة الشعب في التشييع: إنّا على العهد

 

 د. عدنان نجيب الدين

 

بعد أيام، وتحديداً في الثالث والعشرين من شهر شباط 2025، يشيّع قائد الأمة وقائد الأحرار في هذا العالم وشهيد الإنسانية سماحة السيد حسن نصر الله.
هذا الشهيد الكبير والمقاوم البطل قتله الإجرام الأميركي الصهيوني انتقاماً منه لأنه وقف يدافع عن لبنان ضد الخطة العدوانية المعدة للقضاء على لبنان السيد الحر المستقلّ، وإسناداً لمقاومة الشعب الفلسطيني الذي يدافع عن أرضه ووجوده كشعب يستحق الحياة بكرامة فوق أرضه المغتصبة.
وستشارك في التشييع جموع غفيرة من لبنان والعالمين العربي والإسلامي ومن دول أخرى، هذه الجموع تمثل أحرار لبنان والعالم الذين يرفضون الاغتصاب الصهيوني لفلسطين ويقفون مع شعبها المقاوم، ويرفضون الإجرام الصهيوني الأميركي الغربي بحق الشعوب المؤمنة بأوطانها وباستقلالها وبحقها في تقرير مصيرها على أرضها من دون تدخل أجنبي أو وصاية على بلدانها، وتريد تحرير ثرواتها الوطنية من عمليات النهب والسرقة التي تمارسها القوى الراسمالية العالمية المتوحشة .
الشعب اللبناني بغالبيته الساحقة سيكون حاضراً في هذه المناسبة الأليمة ليجدّد العهد والبيعة لهذا النهج المقاوم الذي جسّده سماحة الشهيد الأقدس في هذا العصر ولمبادئه الإنسانية، ووقفاته الوطنية، وسلوكه الأخلاقي الرفيع الذي لا يضاهيه إلا سلوك الأنبياء والمرسلين الإلهيين الذين حملوا رسالات السماء دفاعاً عن المظلومين ونصرة لحق الإنسان بالعيش بحرية وكرامة فوق أرضه وفي وطنه، وكان سماحة السيد عامل استقرار داخلي فأفشل كلّ محاولات التأزيم السياسي ومنع إمكانية قيام حرب أهلية بين اللبنانيين .
لقد قاد هذا القائد العظيم حركة تحرير وطني امتدّت لعشرات السنين استطاع فيها مع المجاهدون الأبطال المقاومون الذين آمنوا بمسيرته النضالية وآمنوا بوطنهم وبسيادته، وبحق شعبهم بحياة حرة كريمة، واستطاع أن يحقق الانتصارات المتتالية توّجت بتحرير الجنوب اللبناني عام 2000 من دنس الاحتلال الصهيوني الذي لم تنفع معه لا الدبلوماسية ولا القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن أو الأمم المتحدة، واندحر العدو المحتلّ، تحت ضربات المقاومة المصمّمة على القتال حتى الاستشهاد، عن لبنان من دون قيد ولا شرط، وكان هذا الأمر سابقة في تاريخ الصراع العربي مع الكيان الصهيوني .
واستطاعت المقاومة أيضاً بقيادة القائد الشهيد تحرير الحدود اللبنانية الشرقية، مع الجيش اللبناني الباسل، من العصابات التكفيرية الإرهابية التي كانت ترتكب الإرهاب والمجازر بحق أبناء القرى بزرعها العبوات الناسفة داخل الأراضي اللبنانية، وبقتل جنود الجيش اللبناني.
وتمكنت المقاومة، بقيادة سماحة السيد الشهيد، من استرجاع عشرات الأسرى من المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين في العام 2004 وكان شعاره الشهير «نحن قوم لا نترك أسرانا في السجون».
وفي العام 2006 سجلت المقاومة ايضاً نصراً عزيزاً في مواجهة الجيش الصهيوني ومنعته من احتلال القرى اللبنانية الحدودية وكبّدته خسائر فادحة .
وفي معركة الإسناد للشعب الفلسطيني من منطلقات إيمانية وأخلاقية والتزاماً بمبادئ الحق والعدالة، استطاعت المقاومة بقيادة هذا القائد العظيم إذاقة العدو هزائم لم يشهدها طيلة مدة اغتصابه لفلسطين، حيث تمّ تهجير عشرات الآلاف من المستوطنين من الجليل وإحداث دمار هائل في مصانع العدو للإنتاج التكنولوجي العالي والقواعد العسكرية وقتل وجرح الآلاف من جنوده وضباطه. إضافة الى اعدام أسباب الحياة في المستوطنات رداً على تدمير القرى اللبنانية وتهجير سكانها منها، كما استطاع رجال المقاومة الأبطال تحدّي العدو ومنع جيشه من التقدم داخل القرى اللبنانية الحدودية، مع تدمير العشرات من دباباته وآلياته وجنوده .
وإذا كان العدو الصهيوني استطاع من خلال ما زوّدته به الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية الأخرى من أسلحة متقدمة وطائرات حديثة ومعلومات استخبارية وأقمار صناعية تعمل ليل نهار لتتبع حركة المقاومين، وإذا تمكّن العدو من الإقدام على عمل غير مسبوق، في تاريخ التكنولوجيا الحديثة، عبر تفخيخ أجهزة الاتصال وتفجير أجهزة البيجر واللاسلكي للتواصل المدني، وأدّى كلّ ذلك إلى توجيه ضربات قاسية للمقاومة، لكنها لم تكن على قساوتها ضربات قاضية.
وبالرغم من أنّ العدو الصهيوني تمكن بتخطيط أميركي وغربي مجرم من اغتيال عدد من القادة المقاومين، وصولاً إلى اغتيال القائد العظيم سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله وبعده خليفته سماحة السيد الشهيد هاشم صفي الدين، مستخدماً عشرات الأطنان من القنابل الأميركية الثقيلة والذكية الخارقة للتحصينات. لكن المقاومة برغم كلّ هذه الضربات القاسية التي أدّت إلى خلل في البنية القيادية للمقاومة بقيت متماسكة ولم تنهر وبقيت تسدد الضربات لمواقع العدو وجنوده وصولاً إلى إرسال طائرة مُسيّرة وصلت إلى غرفة نوم رئيس وزراء الكيان الغاصب، والى تفجير مقرّ تجمع لجنود العدو وضباطه أثناء تناولهم عشاءهم الأخير، فقضى فيه منهم العشرات .
بعد أيام، سيُشيّع شهيد الأمة وشهيد الأحرار في هذا العالم، والسؤال يبقى وماذا بعد؟
المقاومة مستمرة طالما هناك احتلال، وكلّ احتلال إلى زوال بفضل المقاومة لا بفضل الدبلوماسية. هكذا يخبرنا التاريخ القديم والحديث. الدبلوماسية لم تخرج عدواً محتلاً من أرض احتلها. حتى الجيوش لم تعد قادرة على مواجهة القوى الجبروتية العظمى بسبب الفارق في ميزان القوى وبسبب امتلاك الأعداء للتكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، وكلّ تلك وسائل يمنع على الجيوش غير الغربية امتلاكها. أما المقاومة فهي تقاتل بأساليب مختلفة عن قتال الجيوش ولذلك هي تربح دائما، لا سيما إذا كانت مستندة إلى عقيدة وطنية سيادية ترفض الاحتلال والهيمنة ونهب الثروات .
رحم الله شهيدنا العظيم سماحة السيد حسن نصر الله، ورحم الله شهيدنا الكبير السيد هاشم صفي الدين وكلّ الشهداء القادة وسائر المجاهدين المقاومين الشهداء الأبرار. وحمى الله لبنان مما يخطط له من قبل المجرمين الصهاينة وشركائهم الأميركيين والغربيين .
وختاماً نقول: إنّا على العهد… ولا بقاء لجيش الاحتلال في أرضنا. وشعبنا اللبناني المقاوم سيكون في الميدان، ولن يخضع للعدوانية الصهيونية ولا للوصايات الأجنبية التي تتجلى اليوم بالوصاية الأميركية، وسيبقى داعماً لسيادة لبنان على أرضه، وسنداً لجيشه الوطني ويطالب بتسليحه بكلّ ما يلزمه لحماية حدود الوطن ضدّ الأطماع الصهيونية ولتأمين الأمن والأمان للمواطنين لكي يعيشوا فوق أرضهم أحراراً مطمئنين على حياتهم وحياة أولادهم ومستقبلهم، وكذلك على ممتلكاتهم وأسباب عيشهم بعزة وكرامة…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى