الاحتلال باق… فماذا عن الجيش والمقاومة والشعب؟

ناصر قنديل
– لم يعد يحتاج الأمر إلى تحليل فبقاء الاحتلال داخل الأراضي اللبنانية ليست له أي اعتبارات أمنية. فلا منطقة عازلة ولا مَن يحزنون، والتقنيات عائداتها الأمنية أعلى ومخاطرها أقل، والسبب بائن، إرادة أميركية إسرائيلية بالإعلان عن انتصار، وإرادة للقول للبنان إنه تحت الجزمة الإسرائيلية، وإن أميركا لن تعينه لخروج مشرّف لدولته من هذه الحرب، رغم كل الكلام المعسول، ورغم وضوح نصوص الاتفاق وجهة الرعاية وهوية الضامن. فكله حبر بلا قيمة وقت الجد الأميركي الإسرائيلي. ومعلوم أيضاً أن صورة النصر حاجة إسرائيلية لإقناع داخل يهتز تحت أقدام القيادات في الكيان، ورأي عام يطعن بصدقية النصر، ويصف ما جرى في الحرب، وفي كل جبهاتها من البحر الأحمر إلى غزة الى قرى جنوب لبنان، بالفشل الكبير. ومعلوم أيضاً أن البقاء في التلال المشرفة على عمق الجنوب وشمال فلسطين يستهدف منع تركيب صور عملاقة وأعلام شاهقة العلو يراها المستوطنون ويُحجم مَن قرّر العودة منهم عن هذه العودة، رغم أنهم قلة، ولذلك كله لا انسحاب إسرائيلي وشيك من هذه التلال.
– بالمقابل ورغم نصوص البيان الوزاريّ التي تتحدّث عن تجهيز الجيش وتحمّل الدولة مسؤولية قرار الحرب والسلم، والاستعداد لردّ العدوان وتحرير الأرض وخوض الحرب، وكله يبقى بلا قيمة إن لم تتم ترجمته في الواقع عندما يصبح ضرورة وطنية. شبه الأكيد أن الدولة مقيمة في الخيار الدبلوماسي، ما يعني بقاء الاحتلال، أما المقاومة التي يجري ابتزازها بإعادة الإعمار، ويحكمها حرص على عدم التسرّع والانفعال وتنتهج سياسة منح الفرص وإلقاء الحجة، فلن تكون على موعد قريب مع القيام بعمليات استهداف للاحتلال، وهذا ما ترغبه الدولة بمؤسساتها، وما يروّج له خصوم المقاومة ويرغبون به. فهل هذا يعني أن الاحتلال سوف يربح الجولة ويبقى آمناً في الأراضي اللبنانية التي احتلها إضافة للأراضي التي يحتلها أصلاً؟
– تعالوا نتخيّل قليلاً ما سوف يحدث، وهو قريب لما حدث عام 1982، لكن مع فارق ضيق المساحة المحتلة قياساً باحتلال كل لبنان تقريباً، وفارق اتساع الشرائح الجاهزة للانخراط في العمل المقاوم اليوم، وحجم ما لديها من خبرات واختبارات ومؤهلات وقدرات، حيث أكثر من ثلاثمئة بلدة وقرية سوف تكون التلال المحتلة أمام عيون سكانها وزوارها من أبنائها المقيمين في بيروت وضواحيها، وسوف يجول الشباب بسياراتهم بقربها، ويشعرون بذل الصمت، وتغلي الدماء في عروقهم، ولو حسبنا من كل بلدة أو قرية عشرة شباب فقط لتحدّثنا عن آلاف. الفارق بينهم وبين ملايين الشباب العرب، أنهم خبروا جيش الاحتلال وقاتلوه وجهاً لوجه، وكسروا حاجز الخوف من قتاله واكتشفوا تفوّقهم عليه، وأنّهم يملكون خبرة استخدام الكثير من الأسلحة العادية والمتطوّرة، وأنهم يتقنون تشكيل جماعات القتال والمقاومة، ويوماً بعد يوم، وأسبوعاً بعد أسبوع، سوف تتشكّل مجموعات مقاومة، وسوف تبدأ عمليات الاستطلاع والتحضير وتأمين السلاح بسريّة، وتنظيم العمل بدون هويّة حزبيّة، وسوف نسمع فجأة ذات يوم غير بعيد عن عمليّة تستهدف موقعاً إسرائيلياً أو عن كمين لدورية إسرائيلية، وعن مقتل وجرح جنود إسرائيليين، فماذا سوف يفعل الإسرائيلي؟
– كالعادة سيجنّ جنون الاحتلال، سوف يقصف شمال الليطاني مواقع يقول إنّها تعود لحزب الله ويحمله المسؤولية، وهو يعلم أن مستوى إتقان العملية وتقنيّاتها تنتمي لجيل التسعينيات في تجربة حزب الله، لكنه بحاجة لتنظيم ردّ بحجم الحدث، وسوف يكتشف أن هذا لا يكفي، فيقوم باجتياح قرى مجاورة لمكان العمليّة ويقتحم البيوت ويعتقل شباناً ويحقق معهم، ويعتدي على مواقع الجيش اللبناني واليونيفيل، وسوف يتكرّر الأمر كثيراً، ولو سلّمنا بأفضل ما يتمنّاه خصوم المقاومة، أن الدولة حافظت على برودها، وأن حزب الله حافظ على هدوئه، سوف نجد أنفسنا بعد شهور من المواجهات المتكرّرة المتفرّقة أمام اجتياح واسع في قرى جنوب الليطاني بذريعة وجود بنى تحتية للمقاومة، اجتياح شبيه باجتياح العام 1972 الذي استمرّ يومي 16 و17 أيلول، وقاتل فيه الجيش وتصدّت خلاله مجموعات من المقاومة الفلسطينيّة لجيش الاحتلال، وكانت خلالها موقعة مشهودة عندما تصدّى الرقيب الشهيد أحمد إسماعيل بدبابته لجيش الاحتلال على مشارف بلدة قانا فأصاب سبع دبابات إسرائيليّة قبل أن تنفد ذخيرته ويستشهد، وقد وثق العميد جوزف روكز وقائع معارك الجيش اللبناني في هذه المنازلة بالتفصيل، مشيراً إلى تعليمات قياديّة واضحة لإدارة الحرب بنجاح وكفاءة على كل خطوط تقدّم جيش الاحتلال، حيث كان أحد ضباط تلك المنازلة.
– هل يتوقع أحد من حزب الله في حال تكرار مثل هذا المشهد أن يبقى هادئاً، أم أنّه سوف يعتبر أن الاحتلال أسقط القرار 1701، وأنه بات محرّراً من كل التزام ويزحف بقوته الضاربة الخبيرة والكفوءة إلى ساحة المعركة وسوف يطلق صواريخه وطائراته المسيّرة لتغطية القتال البري بنيران تسكت نيران الاحتلال، فهل ترون هذا المشهد مجرد خيال؟
– لا تبنوا قصوراً من الملح فوق الرمل وعلى شواطئ البحار.