أوّل المثقفين… محمود درويش

استقال محمود درويش الشاعرُ الذي هزّ ضمير الملايين من العرب، من منظمة التحرير الفلسطينية.
الاستقالة، بحدّ ذاتها، ليست مثيرة، لولا:
أوّلاً: أنها جاءت عشيّة الجولة الحادية عشرة من مفاوضات السلام المزمَعِ عقدُها بين العرب و»إسرائيل».
وثانياً: أنها جاءت بعد إشاعات عن خلاف عميق بين المنظمة من جهة، وشخصيات من الأرض المحتلّة من جهة ثانية.
وثالثاً: أنها استقالة شاعرٍ كان وراء كلّ حجر قذفه أطفال فلسطينَ بوجه العدوّ المغتصب؛ فقصائد محمود درويش أناشيدُ قوميّة تربط الإنسان بالأرض، والأرضَ بالوجدان، والوجدانَ بقضيّة تساوي وجودنا.
ورابعاً: أنها استقالة من هذا النفق الذي يحاول البعض أن يدخلوه، قبل أن يتأكدوا أنّ في نهاية النفق نقطةَ ضوءٍ واحدةً يتسلّلون منها لدولة فلسطينية مستقلّة.
وخامساً: أنها تطرح، من جديد، في مناقشة هادئة ومسؤولة، هزيمة الخامس من حزيران من عام 1967.
وسادساً: أنها توجّه الاتهام مباشرة، لا لمنظمة التحرير الفلسطينية فقط، بل للإنسان العربي الذي بات مسكوناً بالهزيمة، لا سيّما بعد حرب الخليج يوم أجهضوا أحلامه، وصادروا عزّته، ودفنوا، بين الكويت والعراق، مستقبله.
وسابعاً وأخيراً: أنهاً وقفة عزّ لواحد من المثقفين، عسى أن يتحوّل الواحد إلى جماعة، وعسى أن تصبح الجماعة مجموعة تقود الفكر إلى موقع المسؤولية، فتحرّض المثقفين للخروج من عزلتهم، وتنهي عصر التدجين، ويصبح للمثقفين دورٌ، ولو بالقوّة، بعد أن ناموا في الكهف منذ ألف عام.
إنها البداية… مع محمود درويش الشاعر الذي كانت استقالته واحدة من أروع قصائده.
*من كتاب «وطن للبيع… فمن يشتري؟» الصادر سنة 1995