انهيار أوكرانيا

لم يكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحاجة لإيقاف شحنات الأسلحة والذخائر المقرّرة إلى أوكرانيا حتى يخضع الرئيس الأوكراني لرؤيته بتسوية النزاع مع روسيا، كان كافياً أن يسمع الأوكرانيّون الرئيس الأميركي يتحدّث عن عبثيّة الاستمرار في الحرب والحاجة للقبول بالأمر الواقع والاعتراف بأن الجغرافيا الجديدة لأوكرانيا ترسمها حدود الأمن الروسيّ، وأن يسمعوا عن تفاهمات روسيّة أميركيّة بدأت، وأن ينتبهوا إلى غضب واشنطن من رئيسهم، حتى تسقط الجبهة الداخلية الأوكرانيّة.
لم يعد يعتقد بأن ثمّة أملاً من مواصلة الحرب، حتى في الجيش الأوكراني ماتت الروح القتالية وبدأت الجبهات بالتساقط، بعدما كان الجيش الروسي يحتاج شهراً لإسقاط بلدة جديدة في قبضته صارت تكفيه أيام، وغداً ربما لا يحتاج إلى ساعات أو ربما يجد الجبهات فارغة من المقاتلين، فيما الغارات الروسيّة على العاصمة كييف لا تتوقف وتتصاعد بكثافة بينما الدفاعات الجويّة تقف عاجزة، لا لشيء إلا لأن مشغلي هذه الدفاعات فقدوا الروح وربما غادر الكثيرون منهم مواقعهم.
الطريقة التي تتساقط فيها أوراق الخريف الأوكرانية هي الطريقة التي تسقط فيها الجيوش خلال الحرب قبل ساعات من إعلان الهزيمة الكبرى، وجوهرها معنويّ أولاً وأخيراً، لقد هزمت أوكرانيا لأنّها فقدت الثقة بأن الدعم الأميركيّ سوف يستمرّ، وصار الباقي هو انتظار الساعة الأخيرة.
تدفع أوكرانيا ومثلها أوروبا ثمن خوض مغامرة استفزاز أرعن لروسيا بسبب حسابات لا علاقة لها بالمصالح الأوكرانيّة ولا بالمصالح الأوروبيّة، بل تنفيذاً لأجندة أميركيّة أرادت تطويق روسيا واستخدمت أوكرانيا مسرحاً وأوروبا قوة خلفيّة، فحرمت أوروبا مصانعها من نفط وغاز روسيا الرخيصين وسهلي الوصول الى الأسواق، وعطلت الحل السياسي المعروف باتفاق مينسك لاستدراج روسيا إلى الحرب وإنزال العقوبات على رأسها أملاً بأن تنهار، لكن روسيا صمدت، وأميركا يئست من الحرب وقرّرت الخروج منها بأقلّ الخسائر، فصارت أوروبا كبش فداء، وأوكرانيا جائزة ترضية.
أوكرانيا مثال الحكم الذي يُقدّم مصالح المستعمر على مصالح بلده.