تحقيقات ومناطق

طوفان بشري في وداع سيد الشهداء وصفيّه الهاشمي

لحظة الحقيقة وأمنيات أن يتوقف الزمن قبل الغياب... وتجديد العهد

شهيدين تحملهما القلوب
باقٍ في القلوب
الطوفان البشري قبيل بدء المراسم
زلزلي والخطيب
مريم
محمد حمدان
علي وزينب
محمد بيطار
محمد الديراني
احمد بلطجي
عباس السيد
يفترشون الطرقات بانتظاره

 

عبير حمدان

 

إنه النبأ العظيم والتاريخ الذي سيحفر عميقاً في القلوب والنفوس واللحظة المفصلية التي تؤكد أن الشمس لا يحجبها الغياب. إنه اللقاء الأخير والمستقر الذي اليه سنسعى على الدوام نتلو النذور ونضيء الشموع ونرفع الرايات ونضم الصور بقوة الإيمان أننا أهل الحق والأرض وأهل العزاء.
ماذا نكتب عن عيون تشتاق لمحياك؟ ماذا نكتب عن أهلك وناسك والطوفان البشري الذي ضاقت به كل المنافذ نحو ساحة اللقاء، وكيف نجد لغة تصف البحر البشري الهادر بالهيهات…
هيهات أن نركع لمستعمر ومحتل، هيهات أن ننزع من نبضنا حضورك، هيهات أن يكسرنا الوداع، هكذا كانت الهتافات وعلى كل الطرقات ارتفعت القبضات بأننا على العهد سنكمل المسير ولن نخاف سرب المقاتلات الحربية.
هي لحظة الحقيقة بكل ما تحمل من قسوة ووجع ودموع لن نحبسها بعد اليوم بل سنجعلها سيلا وخيطاً متصلاً من بيروت الى الجنوب والبقاع والشمال وكل جزء من البلاد، دموع تشبه الضاحية التي كانت ديرتك وتشبه تراب القرى المتعمد بالدماء.
كباراً وصغاراً وشيباً وشباباً حضروا يبحثون عن أمل بأن يلقي عليهم خطاب النصر فكان صدى الصوت “يا أشرف الناس وأكرم الناس السلام عليكم” كافياً لفيض من البكاء لا ينتهي وأمنيات بأن يتوقف الزمن قبل الغياب.
لم يردعهم الصقيع ولا جليد تكدّس بياضاً على الجبال، ومن حاول قبيل اليوم المهيب التهويل من فعل منخفض جليدي مرتقب لا يدرك أنّ في الثلج والمطر عطاء من السماء في وداع الطهر والنقاء.
أهل الوفاء وأشرف الناس كما خاطبهم السيد يوماً افترشوا الطرقات وحملوا الصور لتضجّ مدرجات المدينة الرياضية بعبارات الولاء لنهج المقاومة، أما خارجها تكلمت عيونهم وقبضاتهم والعبرات عن حب يتخطى الحدود ويرسخ معادلة الوجود.

السيد يطلّ علينا بنوره ونحن على العهد

لسان حال الناس كان الإصرار على المقاومة حيث عبّرت إحدى السيدات: “نحن أهل الجنوب نحب كلّ الناس وندعو اخوتنا في الوطن أن يأتوا الى بيوتنا علّهم يدركون شيئاً من صمودنا، السيد رحل فداء لأمة خذلته في مكان ما لأنها سعت لتضييق الخناق على المقاومة بكل الوسائل ولكن رغم ذلك صمدنا وبقينا وسنستمر وسنعيد بناء بيوتنا”.
محمد بيطار القادم من النبطية وصل الى المدينة الرياضية قبل يوم من التشييع وقال: “نحن حتى الآن لا نصدق أن السيد قد رحل، ونرجوه أن يعود، السيد رمز أممي وما بعد هذا التاريخ الذي نشيّعه فيه الى مثواه الأخير نشعر بأن السيد الذي كان حيا بيننا هو سيكون حياً بين كل احرار العالم”.
أحمد بلطجي القادم من برج البراجنة وصف المشهد المهيب بأنه لحظة تاريخية ومفصلية، وقال: “ما ترونه اليوم هو مشهد عظيم فيه الوفاء والحب لسيد الأمة، وكل من حاول التهويل قبل هذا اليوم وصله الرد من خلال الطوفان البشري، ونحن الان نرى السيد يطل عليه بنوره الذي لا يغيب ليقول لنا انه يحبنا وسيبقى معنا يحيا في قلوبنا”.
“السيد وعدنا أنه سيصلي في القدس هو طلب الشهادة ونحن نتمنى أن يكون معنا اليوم” هكذا اختصرت إيمان زلزلي الآتية من الخيام المشهد، وهي التي تدرك أنّ زمن المعجزات قد ولى ولكن حجم التعلق بما يمثله سيد الشهداء جعلها ترجو عودة الروح الى جسده قائلة “حبذا لو يمكنني ان امنحه روحي ليعود”.
الى جانب زلزلي تجلس الدكتورة فاطمة الخطيب القادمة من بلدة تمنين البقاعية التي خنقت غصتها قائلة: “لقد خسرنا الأمان حين رحل السيد ودمه انتصر لذلك نحن هنا اليوم، أقول للسيد أنني أحبه على الدوام كما كل شعبه الذي سيبقى على العهد وفاء له ولكل الشهداء”.
على طول الطرقات المؤدية الى مسار التشييع انتشرت المضافات بمبادرات فردية تعبيراً عن المشاركة بكل ما يمكن خدمة للمشيّعين، وأكد عباس السيد “نحن مبادرتنا شبابية فردية على مستوى الوطن وشعارنا انّ فلسطين هي البوصلة واجتمعنا هنا لنكون في خدمة الناس القادمين لمبادلة السيد الوفاء، أقل واجب أن نكون هنا ومهما قدمنا لن نتمكن من نوفي السيد حقه”.
ولفت السيد إلى “أنّ الطوفان البشري فاق التوقعات وهذا يؤكد أن البيئة المقاومة تجدد العهد وكل الأحرار من الأحزاب الوطنية والقومية حاضرة للتأكيد أننا مستمرون حتى النصر الأكيد”.

الأطفال وصدق التعبير

محمد حمدان (10 سنوات) اختصر الكلام بالقول: “اشتقت للسيد وحبذا لو يعود، وجوده يمنحنا الأمان، ولأني أحبه جئت للمشاركة في التشييع، جميعنا نحب السيد ولن ننساه أبداً وسنبقى نردد عباراته بأننا لن نتخلى عن فلسطين، السيد وعد أن لا يترك غزة ونحن على الوعد”.
مريم ابنة السنوات الخمس جلست على الإسفلت وحملت صورة السيد وابتسمت لعدسة الكاميرا وقالت: “انا هنا لأني أحب السيد ولا أخاف من أحد فهو سيحمينا”.
اما محمد الديراني (10 سنوات) لم يستطع أن يعبّر إلا من خلال دموعه وهو القادم من البقاع رغم صعوبة الوصول، لكنه سمح لنا أن نحفظ دموعه من خلال صورة اختصرت الصدق وبراءة التعبير عن الحب الفطري للسيد والشهداء.
زينب وعلي لبسوا الزي العسكري وأعلنوا حبهم للسيد بقوة وكانت امنيتهم أن يعود رغم إدراكهم صعوبة تحقيق بعض الأمنيات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى