رغمَ غارات العدوّ و«أخبار» العاصفة… شعبُ المقاومة يزحفُ بالآلاف لتشييع نصر الله وصفيّ الدين / قاسم: المقاومة موجودة وقويّة بحضورها وجهوزيّتها… ولن نسمحَ باستمرارِ قتلنا واحتلالنا

ملتزمون بالمشاركة في بناء الدولة القوية والعادلة تحت سقف اتفاق الطائف… وحريصون على وحدة الوطن والسلم الأهليّ
يومٌ وطنيٌّ جامع شهده لبنان أمس خلال التشييع المليونيّ المهيب للأمينين العامّين لحزب الله السيدّين الشهيدين حسن نصر الله وهاشم صفيّ الدين، بحضورِ أركان الدولة والأحزاب الوطنيّة والقوميّة والفصائل الفلسطينيّة وأطياف الشعب اللبنانيّ الذي زحف من بيروت والجنوب والبقاع والجبل والشمال ليناهز عددُ المشاركين المليون ونصف المليون شخص بحسبِ بيانات المنظِّمين وذلك بالرغم من الطقس العاصف وتساقط الثلوج في الكثير من المناطق التي حضرَ منها المشيّعون.
ومنذ الصباح الباكر غصّت الطرقات المؤديّة إلى المدينة الرياضيّة في بيروت، حيثُ أقيمت مراسم التشييع، بالمشاركين الذين جاؤوا بكثافة سيراً على الأقدام حاملين رايات المقاومة والعلمَ اللبنانيّ وعلمَ حزبَ الله وصور الشهيدين الكبيرين. وامتلأت مدارج المدينة الرياضيّة ومحيطها بالحضور الذين تقدّمهم رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الذي حضرَ بصفته الشخصيّة وممثّلاً رئيس الجمهوريّة العماد جوزاف عون ووزير العمل الدكتور محمد حيدر ممثّلاً رئيس الحكومة القاضي نوّاف سلام.
وحضر رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين أسعد حردان على رأس وفد ضمّ نائب رئيس الحزب الأمين وائل الحسنية، والعمُد وأعضاء المجلس الأعلى والمسؤولين: معن حمية، ريشار رياشي، سلطان العريضي، إيهاب المقداد، علي الحاج حسن، وهيب وهبي، د. نضال منعم، رمزا خير الدين، سماح مهدي، قاسم صالح، د. جورج جريج، بطرس سعادة، كمال الجمل، جوزيف أبي نادر، غسان حسن، رامي شحرور، هشام الخوري، سامر نقفور، اضافة إلى عدد من المنفذين العامين وأعضاء هيئات المنفذيات ومسؤولي الوحدات الحزبية وقوميون أتوا من كلّ المناطق.
كما حضرَ الرئيسُ العماد إميل لحّود، رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، وزير الخارجيّة الإيرانيّ عبّاس عراقجي، رئيس تيّار “المردّة” سليمان فرنجيّة، بالإضافة إلى عائلات الرئيس الإيرانيّ السابق الشهيد إبراهيم رئيسي ووزير الخارجيّة الإيرانيّ السابق الشهيد حسين عبد اللهيان والقائد السابق لقوّات فيلق القدس التابعة للحرس الثوريّ الإيرانيّ الشهيد قاسم سليماني ومستشار الرئيس الإيرانيّ محسن رضائي وحشدٌ من النوّاب والشخصيّات السياسيّة والعسكريّة والنقابيّة والروحيّة ووفود من اليمن والعراق وتونس والجزائر…
وفي الواحدة من بعد الظهر، بدأت مراسم تشييع الشهيدين، بتلاوة آياتٍ قرآنيّة ثم عزف النشيد الوطنيّ ونشيد حزب الله. وبعد الوقوف دقيقة صمت من قبل الحضور، دخل نعشا السيّدين محمولين على عربة خاصة عليها العلم اللبنانيّ وعلم حزب الله، وكان النعشان ملفوفين بعلم الحزب، وعلى كل نعش عمامتهما وتلفهما الورود البيضاء والحمراء، وسط حزن شديد وصرخات وهتافات مؤيّدة للسيد نصر الله وشعار “إنّا على العهد”.
وبينما كانَ النعشان يجولان بين الحضور مع بث كلمات للسيّد نصرالله شن طيران العدوّ “الإسرائيليّ” غارات وهميّة فوق مدينة بيروت. فبادرَ المشاركون إلى إطلاق الهتافات المندَّدة و”الموت لإسرائيل” و “هيهات منا الذلة” وسط حالة من الحزن وإطلاق الشعارات المؤيّدة للمقاومة.
قاسم
وألقى الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم كلمةً خاطب فيها الجماهير قائلاً «أخاطبكم باسمِ أخي وحبيبي ومقتداي السيّد حسن نصر الله، السلامُ عليكم يا أشرفَ الناس وأوفى الناس وأكرم الناس، يا من رفعتم رؤوسنا عالياً».
وأضافَ “نودّعُ اليومَ قائداً تاريخيّاً استثنائيّاً، قِبلة الأحرار في العالم، وحبيب المجاهدين والمستضعَفين والمعذَّبين في الأرض، رجلاً قادَ المقاومة إلى الأمّة وقاد الأمّة إلى المقاومة وكانت وجهته دائماً فلسطين والقدس”.
وأشارَ إلى أنَّ السيّد نصرالله “تولّى رئاسة المجلس التنفيذيّ لحزب الله عام 1989 ثمّ الأمانة العامّة عام 1992 واستمرَّ في قيادته حتّى يوم شهادته”، مؤكّداً أنَّ “هذا الرجل العظيم ذابَ في الإسلامِ والولاية، كانَ صادقاً، وفيّاً، حنوناً، كريماً، متواضعاً، صلباً، شجاعاً، حكيماً، استراتيجيّاً، وحبيباً للمقاومين”.
وتابع “أفتقدك يا سيدي، ويفتقدُك كلَّ المحبّين، لكنك باقٍ فينا بنهجك وتعاليمك وجهادك، وسنحفظُ وصيّتك، وسنكمل هذا الطريق حتّى لو قُتلنا جميعاً ودُمّرت بيوتنا على رؤوسنا”، لافتاً إلى أنَّ “السيّد نصر الله، حبيب المقاومين، وجهته فلسطين والقدس، واستُشهد في موقعٍ متقدّم”.
وأكّدَ أنَّ حزبَ الله سيواصل الدفاع عن القضيّة الفلسطينيّة، مشدّداً “على الدور العظيم الذي أدّاه السيّد نصرالله في إحيائها”، مُضيفاً “إنَّ الأمانة ستظلُّ محفوظة والمسيرة مستمرّة”.
كما أعربَ قاسم عن افتقاده للسيّد صفيّ الدين وقال “كان صفيّاً وحبيباً وصاحباً ومؤازراً وعضداً، نفتقدك علماً لمسيرتنا لكنّكَ باقٍ فينا بنهجك وعطاءاتك”. وتوجّه بالتعزية والتبريك “لعوائل السيديْن الجليليْن ومن استُشهد برفقتهما وشهداء المقاومة وللمنتمين والمُحبّين”. وتوجّه بالتحيّة للجرحى، وللأسرى في سجون الاحتلال، قائلاً “لن نترككم عندَ العدوّ، وسنبذلُ كلَّ الجهود للإفراج عنكم”.
ولفتَ إلى أنَّ حجم الإجرام “الإسرائيلي” كان غير مسبوق، مشيراً إلى أنَّ “هدفَ العدو كان إنهاء المقاومة في غزّة ولبنان، لكنَّ حجم التضحيات كان عظيماً والصمودُ كان استثنائيّاً وهذا إنجازٌ كبير”.
كما شدّدّ على “أنَّ الحشد الجماهيريّ اليوم هو تعبيرٌ عن وفاء قلَّ نظيره في تاريخ لبنان”، مؤكداً “أنَّ معركةَ إسناد غزّة هي جزءٌ من الإيمان بتحرير فلسطين”.
وفي سياق المواجهة مع الاحتلال، قالَ قاسم “واجهنا الكيان الإسرائيليّ والطاغوت الأكبر، أميركا، التي حشدت كل إمكاناتها لمواجهة محور المقاومة، ولكنّنا أثبتنا صمودنا”، مؤكداً أنَّ “المقاومة موجودة وقويّة عدداً وعدّة وشعبنا صامد والآن دخلنا في مرحلة جديدة تختلف أدواتها وأساليبها”.
وأوضحَ “أنَّ حزبَ الله وافقَ على طلب العدوّ وقف إطلاق النار من منطلقات إستراتيجيّة، مضيفاً “التزمنا بالاتفاق، لكنَّ إسرائيل لم تلتزم، وهنا تبدأ مسؤوليّة الدولة اللبنانية بعد انتهاء مهلة الاتفاق لانسحاب العدوّ”، مؤكّداً “أنَّ المقاومة مستمرّة، قويّة بحضورها وجهوزيّتها، وهي حقٌّ لن يستطيع أحد سلبه”، مشدداً على “أنَّ إسرائيل يجبُ أن تنسحبَ من جميع المناطق التي لا تزالُ تحتلّها”.
وتابع “اتخذنا خطوة واضحة، وهي أن تتحمّل الدولة اللبنانية مسؤوليّاتها، وسنتصرف وفقاً للظروف، نطلقُ النارَ متى نرى مناسباً، ونصبرُ متى نرى مناسباً”.
وأكّدَ أنّ المقاومة تُكتب بالدماء ولا تحتاجُ إلى الحبر على الورق”، متوجّهاً إلى العدوّ قائلاً “موتوا بغيظكم، المقاومة باقية وقويّة ومستمرّة”.
وتوجّه برسالة مباشرة إلى أميركا قائلاً “اعلموا أيّها الأميركيّون، لن تتمكّنوا من تحقيق أهدافكم، أنصحكم بأن تكفّوا عن مؤامراتكم، ولا تفسّروا صبرنا ضعفاً، فنحنُ لن نسمحَ باستمرار الاحتلال وقتلنا ونحنُ نتفرّج”.
كما وجّه كلامه إلى دعاة السيادة في لبنان، قائلاً “استيقظوا، ماذا فعلتم عندما أتيحت لكم فرصة الاتفاق؟ أين أنتم الآن؟ لا نسمعُ منكم كلمة واحدة ضدَّ إسرائيل وأميركا”، مُضيفاً “ألا يبهركم أنَّنا خرجنا من تحت الأنقاض، واستعدنا المبادرة وأجبرنا إسرائيل على طلب وقف إطلاق النار؟”.
وأكدَّ قاسم أنَّ حزب الله هو ابن مدرسة المقاومة والولاية” وقال “نحنُ أبناء الإمام الخامنئيّ والإمام الخمينيّ وأبناء موسى الصدر والسيّد عبّاس الموسوي والسيّد حسن نصر الله، والسيّد هاشم صفيّ الدين، والحاج قاسم سليماني والحاج عماد مغنية”.
وأشار إلى ثوابت المرحلة الجديدة، مؤكّداً “أنَّ المقاومة هي الأساس وستبقى خياراً ما دام الاحتلال قائماً”. كما شدّدَ على “التزام الحزب بالمشاركة في بناء الدولة اللبنانيّة القوية والعادلة تحت سقف اتفاق الطائف” وقال “نحنُ حريصون على وحدة الوطن والسلم الأهليّ ومشاركة الجميع في بناء الدولة”.
وختمَ بتأكيد متانة التحالف مع حركة أمل، قائلاً “تحالفنا تعمّدَ بالدم، فلا تفكروا في اللعب بيننا، فنحنُ واحدٌ في الموقف والخيارات والسياسة”.
وخلالَ المراسم، تلا ممثّل السيّد علي الخامنئي في العراق مجتبى الحسيني رسالةً منه وصف فيها السيّد نصر الله بـ”المجاهد الكبير وزعيم المقاومة والرائد في المنطقة”.
وأضاف “لقد بلغَ الآن السيّد العزّة، جثمانه الطاهر في الثرى، ولكن روحه ونهجه سيتجلّى شموخاً أكثر فأكثر ويوماً بعدَ يومٍ سينيرُ دربَ العالَمين”، مشيراً إلى أنَّ “المقاومة ومواجهة الاستكبار باقية ولن تتوقف حتّى بلوغ الغاية المنشودة”.
وقال إنَّ “الوجهَ النورانيّ لسماحة السيّد هاشم نجمٌ لامعٌ في تاريخِ هذه المنطقة وجزءٌ لا يتجزّأ من ريادة المقاومة في لبنان”. وخصَّ الشهداء بسلام، واصفاً إيّاهم بالأبناء الأعزّاء، مشيراً إلى أنَّهم “شبابُ لبنان البواسل”.
وبعد اكتمال مراسم التشييع في المدينة الرياضيّة، تمّ نقلُ جثمانيّ الشهيدين إلى ضاحية بيروت الجنوبيّة، حيث وُوريَ جثمان السيّد نصر الله في مرقده الخاص، أمّا جثمان السيّد صفي الدين فسيُنقل إلى مسقط رأسه في بلدة دير قانون النهر الجنوبيّة، حيث سيُدفن اليوم الإثنين في حضورٍ رسميّ وجماهيريّ.
وشقّت الشاحنة التي حملت جثمانيّ الشهيدين طريقها بصعوبة وسط الحشود الجماهيريّة الحاشدة، حيث كانت الشاحنة تمرّ ببطء، وسط مشهد مؤثّر حتى وصلت إلى المرقد.