نقاط على الحروف

حزب الله تعافى لكن لبنان مريض

 

ناصر قنديل

 

– الذين كانوا ينتظرون أن يُدفَن حزب الله مع أمينيه العامين السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين، وأن يُظهر التشييع تخلي النسبة الغالبة من بيئة المقاومة عنها، تلقوا دلو ماء بارد على رؤوسهم وأصيبوا بالخيبة، حيث ظهر حزب الله محمياً ببيئة مليونيّة تحيط بها بيئات مساندة صلبة في الطوائف الأخرى حتى لو كانت أقليات، وتسندها بيئات عربية وعالمية بعضها نخبوي وبعضها يمثل شعوباً وحكومات، وظهر أن حزب الله يمتلك ماكينة حزبية تنظيمية وأمنية وإعلامية ودبلوماسية شديدة الكفاءة والقدرة، استطاعت إدارة مناسبة بهذا التعقيد وتقديم صورة نجاح مبهر تسبب بذهول العقلاء من الخصوم الخارجيين خصوصاً.

– في الخطاب السياسي أسقط حزب الله ذرائع كل خصومه، الذين يزعجهم ذلك، لأنّهم كانوا يتمنّون إضافة لرؤية صورة ضمور تراجع للحزب، صورة خطاب متهوّر إقليمياً وعدائيّ داخلياً، ينشر سقوفاً عالية تعجز بيئة الحزب عن تحمل تبعاتها والنهوض بمسؤولياتها، فقد قال الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، إن الحزب الأقوى بين أحزاب لبنان، مؤمن بنهائيّة الكيان اللبناني كوطن لجميع أبنائه، ملتزم باتفاق الطائف، ويرى أن مشروع الدولة هو السقف الجامع للبنانيين، وأنه يترك للدولة مهمة إنهاء الاحتلال وردّ العدوان، وبالتوازي يلتزم بالاتفاق القائم داخلياً بجعل الاستراتيجية الدفاعية موضوعاً لحوار يجيب عن دور سلاح المقاومة في الدفاع عن لبنان.

– لن يجد خصوم حزب الله ما يبنون عليه تحميل حزب الله مسؤولية استمرار العدوان الإسرائيلي، ولا ما يقولون إن حزب الله يقف وراء سقوط التزامات لبنان في اتفاق وقف إطلاق النار، خصوصاً مع تأكيد الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية أن لبنان قام بالتزاماته ما يخصّ انسحاب حزب الله من جنوب الليطاني. وبالتالي وبناء على ما قاله بيان الرؤساء الثلاثة، وبيانات اليونيفيل فإن الاحتلال الإسرائيلي الباقي في التلال الخمس وفي الجزء اللبناني من بلدة الغجر كمناطق تقع ضمن الخط الأزرق لم يتحقق منها الانسحاب، وهي مناطق محتلة وخرق فاضح للقرار 1701، فإن الدولة مسؤولة عن إنهاء هذا الاحتلال.

– الحزب تعافى لكن لبنان مريض، لأن القضية هي في العلاقات الأميركية الإسرائيلية ومكانة لبنان في هذه العلاقات، وليست في موقف حزب الله، حيث يعرف كل خصوم حزب الله لكنهم لا يعترفون بأن واشنطن تمنح تل أبيب حرية التحرّك داخل الأراضي اللبنانية، أسوة بما يحدث مع سورية أيضاً، رغم كل تقدمات الحكم الجديد في سورية المجانية لحساب الأمن الإسرائيلي، سواء بإنهاء الجيش الذي كانت “إسرائيل” تريد تدمير مقدراته وفعلت ذلك تحت أعين الحكم الجديد، وأخرج إيران وحزب الله من سورية وقطع خط إمداد حزب الله من سورية. وهذه كانت أهداف إسرائيلية معلنة لسنوات ولم تحقق إلا على يد الحكم الجديد لسورية، لكنها لم تعصم الإسرائيلي عن فعل ما يفعله في سورية، من الإصرار على ضمّ الجولان إلى التوغلات المتمادية يومياً داخل الأراضي السورية وصولاً إلى المجاهرة بنية العبث بالعلاقة بين المكوّنات الطائفية في جنوب سورية، فهل لدى أحد جواب عن سؤال جوهري هو ماذا لو لم تثمر المساعي الدبلوماسية التي يمنحها حزب الله فرصة بلا سقف زمني راهن؟

– لبنان مريض، لأن لا أحد بين خصوم حزب الله، وربما لا أحد في الدولة يستعدّ لفرضية أن الخيار الدبلوماسي ميؤوس منه، ومحكوم عليه بالفشل، وأن هم تحرير الأرض وإنهاء العدوان لا يتقدّم عند الكثيرين في الوسط السياسي والدولة، على همّ أضعاف حزب الله، وهمّ كسب ودّ الإدارة الأميركية وفق معادلات السياسة الداخلية، لأن من يحظى ببركة الدعم الأميركي يطمئن إلى مكانته في الحياة السياسية الداخلية، وشرط ذلك عدم الاعتراف بأن واشنطن تقدم التزاماتها مع “إسرائيل” على أي عناية بالمطالب اللبنانية مهما كانت مشروعة.

– يتعافى لبنان عندما يتحقق فيه إجماع على أنه آن الأوان لأن يمتلك الجيش اللبناني شبكة دفاع جوي، ولا نقول بناء جيش قادر على مواجهة “إسرائيل”، أو تجهيز الجيش بما يمكنه من ردع العدوان وتحرير الأرض، لأنها أهداف وهميّة وإنشائية يسهل التلاعب بها، فقط امتلاك شبكة دفاع جوي تحتاج إلى قرار في مجلس الوزراء تتكفل بتحريك الدبلوماسية وإقامة حساب الأمن الإسرائيلي بين عائدات الاحتلال الجزئي لبعض المواقع اللبنانية وامتلاك لبنان شبكة دفاع جوي تحدّ من سطوة جوية إسرائيلية تجسسيّة وعملياتية في أجواء لبنان.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى