أضخم حشد مليوني في لبنان بوجه الطائرات الإسرائيلية: على العهد يا نصرالله / قاسم: • وراء الدولة لتحرير الأراضي المحتلة وردّ الاعتداءات… والمقاومة قويّة / • سنشارك في بناء الدولة القويّة والعادلة تحت سقف الطائف… ولبنان وطن نهائيّ

كتب المحرّر السياسيّ
خيّب حزب الله رهانات خصومه وأحلامهم برؤية تجمّع لا يشبه ما سبق لحزب الله تنظيمه من حشود، ما يتيح القول بصوت مرتفع إن حزب الله لم يعُد يتمتع بدعم شعبي، كما في السابق وإن عليه بعدما اضطر للتراجع عن دوره العسكري السابق والتأقلم مع البحث عن أدوار جديدة لقوته العسكرية، أن يتأقلم مع تراجعه الشعبي والسياسي، ويقبل بخشبة خلاص يقدّمها له الخصوم تقوم على مقايضة السلاح بالاحتفاظ بدور سياسيّ والإفراج عن إعادة الإعمار، بمعزل عما إذا كان هناك أفق أو أمل لنجاح المساعي الدبلوماسية في تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة ووقف الاعتداءات الإسرائيلية، فجاء الحشد المليونيّ غير المسبوق في تاريخ لبنان، ليقول إن حزب الله بالفعل لم يقدّم ما يشبه حشوده السابقة بل فاقها بأضعاف، وإن استشهاد أمينيه العامين زاده قوة وزاداً في شعبيته وتماسك مَن حوله وتمسكاً به ونهج المقاومة، كما قالت هتافات الحشود العفوية عندما أراد الإسرائيلي تخويف الحشود بتحليق منخفض لطائراته فوق المدينة الرياضيّة. فصدحت الحناجر على العهد يا نصرالله وراء نداء الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، ومثلما كان التنظيم المتقن والدقيق والسيطرة على إدارة الحشود الضخمة والعدد الكبير من الضيوف من داخل لبنان وخارجه من شخصيات سياسية وإعلامية، فإن الحزب نجح بحشد مليونيّ غير مسبوق، معيداً صياغة التراجع عن العمل العسكريّ الراهن إلى تفسير مخالف لنظرية الهزيمة والضعف، بل كترجمة لرؤية سياسية تستثمر على الدولة ودورها.
في كلمته ركّز الشيخ قاسم على عنوانين، الأول الاحتلال والدولة والمقاومة، والثاني الشراكة الوطنية ومشروع الدولة، وفي العنوان الأول قال الشيخ نعيم قاسم، “نحن الآن أصبحنا في مرحلة جديدة، هذه المرحلة الجديدة تختلف أدواتها وأساليبها وكيفية التعامل معها. أبرز خطوة اتخذناها أن تتحمّل الدولة مسؤوليتها بعد أن منعت المقاومة العدو من أن يجتاح أو أن يُحقق أهدافه، يعني أننا أنجزنا القسم الأول، ثم جاء القسم الثاني الذي هو مسؤولية الدولة، التزمنا ولم تلتزم “إسرائيل” ولن تلتزم “إسرائيل”، صبرنا لإعطاء الفرصة لإنسحاب “إسرائيل” بالاتفاق والدبلوماسية، ولم نخرق كي لا نتساوى معهم. اليوم بعد انتهاء مهلة الاتفاق في الانسحاب الإسرائيلي، لم نعد أمام خروقات إسرائيلية، أصبحنا أمام احتلال وعدوان، اسمه نقطة، اسمه خمس نقاط هذا احتلال وعدوان، القصف على الداخل اللبنانيّ مهما كانت المبرّرات اسمه عدوان، لا تستطيع “إسرائيل” أن تستمرّ باحتلالها وعدوانها، اعلموا أن المقاومة موجودة وقوية عدداً وعدةً وشعباً”.
في العنوان الثاني قال الشيخ قاسم، “سنشارك في بناء الدولة القوية والعادلة، ونُساهم في نهضتها على قاعدة المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتحت سقف اتفاق الطائف، ضمن ثلاث ركائز أساسيّة:
أولاً: إخراج المحتل وإعادة الأسرى.
ثانياً: إعادة الإعمار والترميم والبنى التحتية كالتزام أساسي لهذه الدولة ونحن معها.
ثالثاً: إقرار خطة الإنقاذ والنهضة الاقتصادية والمالية والإدارية والقضائية والاجتماعية بأسرع وقت.
رابعاً: نحن حريصون على مشاركة الجميع في بناء الدولة، وحريصون على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، وأقول لكم: بالنسبة إلينا، لبنان وطن نهائيّ لجميع أبنائه ونحن من أبنائه”.
شُيِّع أمس، الأمينان العامّان السّابقان لحزب الله، الشهيدان السيدان حسن نصرالله وهاشم صفي الدين بحضور رسمي وشعبي كبير، يتقدّمهم رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ممثلاً أيضاً رئيس الجمهورية جوزاف عون، فيما مثّل رئيس الوزراء نواف سلام وزير العمل محمد حيدر. كما حضر الرئيس الاسبق اميل لحود وشاركت في المراسم احزابٌ سياسية حليفة لحزب الله، ابرزها حركة امل، الحزب السوري القومي الاجتماعي، تيار المرده، والحزب الديمقراطي اللبناني، كما شارت وفود نيابية مثلت التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي.
كما شاركت في التشييع وفود خارجية، تقدمها رئيس مجلس الشورى الايراني محمّد باقر قاليباف، ووزير خارجية طهران عباس عراقجي، اللذان وصلا صباح أمس، الى بيروت على رأس وفد.
وتلا السيد مجتبى الحسيني رسالة من السيد علي الخامنئي أكد فيها أن “المقاومة في مواجهة الغصب والظلم والاستكبار باقية، ولن تتوقف حتى بلوغ الغاية المنشودة”.
وألقى الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، كلمةً مسجلة جاء فيها “نودّع اليوم قائدًا تاريخيًّا استثنائيًّا، قائدًا وطنيًّا عربيًّا إسلاميًّا يمثّل قبلة الأحرار في العالم. إنّك باقٍ فينا بتعاليمك وجهادك، وسنحفظ الأمانة ونواصل السير على هذا الخطّ. أنت القائل: هذا الطريق سنكمله لو قُتِلنا جميعًا، ولو دُمِّرت بيوتنا على رؤوسنا، فلن نتخلّى عن خيار المقاومة”. ولفت إلى اختلاف المرحلة الراهنة عن سابقاتها، قائلاً إنّ “أبرز خطوةٍ اليوم هي أن تتحمّل الدولة مسؤوليّاتها. لقد التزمنا ولم تلتزم “إسرائيل”، وصبرنا لإعطائها فرصة الانسحاب، لكنّنا أمام خرقٍ تحوّل إلى احتلالٍ وعدوان. والمقاومة قدّمت نموذجًا في الصمود سيُحتذى به مستقبلًا”. وأضاف: “ماذا عن مستقبل المقاومة؟ إنّها لم تنتهِ وهي مستمرّةٌ بحضورها وجهوزيّتها. لا نقبل في لبنان أن تتحكّم أميركا ببلدنا. المسار طويل ونحن له بالمرصاد، ولن نقبل باستمرار قتلنا ونحن نتفرّج. يا دعاة السيادة، استيقظوا! ماذا تفعلون الآن؟ سنواجه حتّى النصر أو الشهادة.»
وشدّد على أن “المقاومة أساس وهي خيارنا ما دام الاحتلال وخطره موجودًا، وسنتابع تحرك الدولة لطرد الاحتلال دبلوماسيًّا والبناء بعد ذلك على النتائج، ونبحث الاستراتيجية الدفاعية، ونحن ندعم تحرير فلسطين ومواجهة مشروع الرئيس الأميركي في تهجير أهل فلسطين، وشهداء غزة، وسنشارك في بناء الدولة القوية العادلة تحت سقف اتفاق الطائف، تحت 3 عناوين وهي إقرار خطة الإنقاذ في أسرع وقت، تحرير الأرض وإطلاق الأسرى، وبناء ما تهدّم. وبالنسبة لنا لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه ونحن من أبنائه، نحن متحالفون مع حركة أمل وهذا التحالف تعمّد بالدم. لا تفكّروا أن تلعبوا بيننا فإننا واحد في الموقف والسياسة وسنبقى كذلك لعزتنا وعزة لبنان، وللرؤوس الحامية أقول في الداخل اللبناني لا يوجد رابح وخاسر، فلنتنافس لخير الناس”. وأضاف: “المقاومة إيمانٌ ولا يمكن لأحدٍ أن يسلبنا هذا الحقّ. هي حياة الشعوب الحرّة، وتُكتَب بالدماء لا بالحبر، ولا يثنيها مَن يعارضها، فهي تقتلع المحتلّ ولو بعد حين، وترسم مستقبل الأحرار. هي إيمانٌ أرسخ من الجحافل، وعشقٌ يغلغل في المحافل، ونصرٌ يُخلّد كلّ مقاتل. موتوا بغيظكم… فالمقاومة باقيةٌ وقويّةٌ ومستمرّة.»
في غضون ذلك، شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي غارة على منطقة مريصع في أطراف بلدة أنصار، أعقبها تنفيذ غارتين إضافيتين استهدفتا منطقتي القليلة والسماعية في قضاء صور. ولم تتوقّف الضربات عند هذا الحدّ، إذ طالت وادي العزية على أطراف زبقين وأطراف جناتا، فضلاً عن قصف جويّ استهدف الوادي المجاور لبلدة معروب ومنطقة النهر بين الحلوسيّة والزراريّة في الجنوب اللبنانيّ. فضلًا عن بوداي الحفير غربي بعلبك في السلسلة الغربيّة. فضلًا عن البيسارية. وأفادت تقارير ميدانيّة، مساءً بأنّ “الطّيران المسيّر الإسرائيلي شنّ غارتَين مستهدفًا وادي زبقين”.
وأثناء التشييع حلّق الطيران الحربيّ الإسرائيليّ وعلى علوٍّ منخفض فوق بيروت وضاحيتها الجنوبيّة. وفي هذا السّياق، أعلن وزير الحرب الاسرائيلي يسرائيل كاتس، أن “تحليق طائراتنا فوق موقع تشييع نصرالله ينقل رسالة واضحة بان مَن يهدد بتدمير “اسرائيل” ويهاجمها هذه ستكون نهايته”. ليعود جيش العدو الاسرائيلي لينشر صورًا لتحليق مقاتلاته الحربيّة فوق تشييع السيد نصر حسن نصرالله.
إلى ذلك زار رئيس مجلس الشورى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية الدكتور محمد باقر قاليباف، ووزير الخارجية عباس عراقجي، والسفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني مع وفد مرافق كلًا من رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام.
ونقل الرئيس قاليباف إلى الرئيس عون دعوة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لزيارة رسمية الى طهران. وتحدث عن العلاقات اللبنانية – الإيرانية وضرورة تطويرها في المجالات كافة.
وشدّد قاليباف على “وحدة الأراضي اللبنانية وسلامتها وسيادة الدولة عليها”، مبدياً “استعداد بلاده في المشاركة مع دول عربية وإسلامية في إعادة إعمار ما هدّمه العدوان الإسرائيلي على لبنان”، ومؤكداً أن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترغب في رؤية لبنان بلداً مستقراً وآمناً ومزدهراً”، مشيراً إلى أن “بلاده تدعم أي قرار يتخذه لبنان بعيداً عن أي تدخل خارجي في شؤونه”.
أما الرئيس عون فقال: “لقد تعب لبنان من حروب الآخرين على أرضه، وأوافقكم الرأي بعدم تدخل الدول في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وأفضل مواجهة لأي خسارة أو عدوان، هي وحدة اللبنانيين. ونشارككم في ما أشار إليه الدستور الإيراني في مادته التاسعة التي تؤكد على أن “حرية البلاد واستقلالها ووحدة أراضيها وسلامتها، هي أمور غير قابلة للتجزئة”، كما تؤكد على أنه “تتحمل الحكومة وجميع افراد الشعب مسؤولية المحافظة عليها، ولا يحق لأي فرد أو مجموعة او أي مسؤول أن يلحق أدنى ضرر بالاستقلال السياسي او الثقافي او الاقتصادي او العسكري للبلاد، أو أن ينال من وحدة أراضي البلاد بحجة ممارسة الحرية”.
ونوّه الرئيس عون بما صدر عن قمة الرياض الأخيرة والتي شاركت فيها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لا سيما “تأكيد حل الدولتين بالنسبة الى القضية الفلسطينية، وعلى ان السلطة الفلسطينية هي الممثل الشرعي للفلسطينيين”.
وقال الرئيس عون إن “لبنان دفع ثمناً كبيراً دفاعاً عن القضية الفلسطينية”، معرباً عن أمله بـ”الوصول الى حل عادل لها”.
وأكد عون “حرص لبنان على إقامة أطيب العلاقات مع طهران، لما فيه مصلحة البلدين والشعبين”.
ومن عين التينة، قال قليباف أتمنى أن تؤدي الزيارة إلى مزيد من علاقات التعاون بين إيران ولبنان، خصوصاً مع بدء الحكومة الجديدة عملها وسنقف إلى جانب أي قرار تتخذه الحكومة والشعب والمقاومة.
ومن السراي الحكومية أكد سلام خلال استقباله الوفد الإيراني أن الدولة اللبنانية تعمل جاهدة بكل الطرق الدبلوماسية والسياسية من أجل الضغط على “إسرائيل” لاستكمال انسحابها من جنوب لبنان، كما أكد أن الحكومة التزمت في بيانها الوزاري بإعادة إعمار ما هدمه العدوان الإسرائيلي الأخير. وقال إن سلامة أمن المطار والمسافرين هو الاعتبار الأساسي الذي يرعى تسيير الرحلات من مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري في بيروت وإليه، وهو من مسؤولية الدولة اللبنانية.
وفي سياق جولاته الخارجية يتوجه الرئيس عون إلى الرياض الأحد أول آذار المقبل في زيارة رسمية يرافقه فيها وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي، وسوف تأتي الزيارة إلى المملكة بعد نيل الحكومة الثقة يوم الأربعاء المقبل على أن يزور مصر أيضاً مطلع الشهر المقبل لحضور القمة العربية الطارئة في شأن فلسطين.
إلى ذلك يناقش البيان الوزاري في الجلسة العامة التي سيعقدها مجلس النواب غداً الثلاثاء وبعد غد الأربعاء وبحسب المعلومات فإن نحو 60 نائباً سيتحدثون في جلسة مناقشة البيان والتي ستكون منقولة مباشرةً على الهواء.