مقالات وآراء

في وداع سماحة العشق…

 

 احترام عفيف المُشرّف*

يا حمزة الثاني لدين محمد
يا ثالث الحسنين للزهراء،
ما أوجع الرحيل وما أصعب الفراق، وكيف عندما يكون الفراق لا مفرّ منه، ولا بدّ منه حتى لو كان يحمل معه وجعاً لا ينتهي. وداع يشبه الغصة، يترك في قلوبنا فراغاً لا يُملأ، وذكريات لا تُنسى ولا تُمحى من قلوبنا التي نبضت بحبه، قلوبنا التي تشهد وقت وداعه بسمع لا يسمع غير صوته مجلجلاً في أرض الجهاد والاستشهاد، فقد جعلته سمعها الذي به تسمع الحقيقة، وبصر لا يرى غيره كالشمس المشرقة في سماء الانتصارات، وقد كان بصرها الذي به تبصر اليقين، قلوباً قد شيّد بنيانها بحبه، فمدّت يدها لتستردّ ماضياً هو فيه، وتردّ ذاهباً لا تريد فراقه.
وها هي قلوبنا تقف لتقدّم العزاء به وتأخذ العزاء فيه من كبد حرى وزفرة تترى، وقد بكته أيامها وأحيَت لياليها بالنوح عليه، فالخطب قد عظم في رحيل سماحة العشق، سيد الشهداء، وقائد كل الانتصارات، والتي كللها بانتصار المقاومة في العام 2024، والذي هو بحق انتصار مطلق، بل إنه انتصار يفوق انتصار تموز 2006، وذلك بطول المدة وشراسة العدو وفداحة الخسارة. ومع كلّ ذلك خرج لبنان منتصراً…
لقد رجع العدو من لبنان بخيبة أمل وهزيمة نكراء، العدو الذي كان يراهن بعد اغتياله للقادة الشهداء، وعلى رأسهم سيد الشهداء، شهيد الإنسانية، السيد حسن نصر الله، أنه قد اجتث شأفة المقاومة.
وكان بذلك واهماً، فالسيد حسن نصر الله قائد لا يموت، وإنْ غاب شخصه فلن يغيب أثره، إنه الحليم في موضع الحلم، الفهيم في موضع الحكم، المقدام في موضع الإقدام. قائد أتى إلى الأمة بالنصر، وقال لها: هذا زمن الانتصارات، في وقت تعيش الأمة فيه تحت أمر حكام يعيشون حالة الهزيمة المسبقة.
فمثل هذا القائد لا يموت في نفوس من رباهم، وسيسجل التاريخ أنّ جيشاً قد هُزم على يد قائد استشهد.
وها نحن في وداع سماحة العشق الأزلي السيد حسن نصر الله قدّس الله روحه، نقف مكلّلين بالنصر الذي وعدنا به. نودعه وجرح فراقه عميق، ترتجّ له الأضلاع وتكاد له القلوب تطير من الصدور. وقد خرست الألسن عن أن تعبّر عن هذا الوداع الموجع والنعي الفادح. وقصرت الأيدي عن التعزية بهذه الرزية، فحزننا عليه رهين قلوبنا وقرين صدورنا، والزعيم بتعلق أفكارنا وسمير ذكرنا، لا تستقل به صدورنا، يكاد يكون لزاماً ويعد غراماً.
العاطفة لا تُوصف تجاه السيد حسن نصر الله، أنه الأب الذي لا تقتصر أبوّته على النسب، بل تتجاوزها إلى عطاء لا حدود له، والقائد الذي لا تقتصر قيادته على بلد او فئة، إنه قائد أممي لن يُنسى اسمه او يُمحى ذكره مهما تعاقبت الحقب، فهو من فلتات الزمن التي لا تأتي إلا في ما ندر، وكان لنا الحظ أن يأتي في زماننا فنسعد به وكان من نصيبنا أن نحزن عليه ونثكل به.
وليس لنا حيال هذا الألم الذي يمزق الأحشاء إلا الاعتصام بحبل الصبر، فالمصاب به كبير وعليه يكون الجزع جديراً، ولكن الصبر أجدر، والعزاء عن الأعزاء رشد. وإنْ لم نتعصم بالصبر، فقد اعترضنا على مالك الأمر، فهكذا علّمنا قائدنا ونبض قلوبنا أن لا ينبغي أن نسقط إذا ارتقى لنا قائد، بل علينا أن نحمل رايته ونهجه ونسير على طريقه.
نعاهدك سيدي على الصمود والثبات على طريقك، طريق القدس، يا فقيد قلوبنا وشهيد قدسنا.

*الحملة الدولية لفك حصار مطار صنعاء،
اتحاد كاتبات اليمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى