أولى

هل من مصلحة المقاومة الفلسطينية تمديد المرحلة الأولى من تبادل الأسرى؟

 

 حسن حردان

 

يحضر هذه الأيام وبإلحاح سؤال هام حول ما إذا كان من مصلحة حركات المقاومة في قطاع غزة الاستمرار في مبادلة الأسرى العسكريين الإسرائيليين مقابل الأسرى الفلسطينيين، من دون التشدّد في ربط مثل هذه الصفقة بوقف إطلاق النار، والانسحاب الإسرائيلي من غزة، وإعادة الإعمار، كما نص الاتفاق في مرحلته الثانية، خصوصاً أنّ حكومة العدو لم تلتزم بتنفيذ كامل البروتوكول الإنساني في المرحلة الأولى والانسحاب من محور فيلادلفيا، حيث أعلن وزير حرب العدو انه لن ينسحب من المحور في نهاية المرحلة الأولى، يوم غد السبت، وانه سيقيم منطقة عازلة بين قطاع غزة ومصر على طول هذا المحور…
إنّ الإجابة على هذا السؤال مرتبطة بعدة اعتبارات تأخذها حركات المقاومة في حساباتها، في مواجهة مخططات العدو:
الاعتبار الأول:
ـ تغليب الإنجازات المرحلية الآنية على الإنجازات طويلة الأجل،
ففي وقت توفر فيه عمليات تبادل الأسرى انتصارات قصيرة الأجل، مثل، تحرير الأسرى الفلسطينيين وتعزيز الروح المعنوية المحلية، فإنّ قيادة المقاومة تخاطر بفقدان النفوذ الطويل الأجل إذا لم تقرن مبادلة ما تبقى لديها من أسرى عسكريين مهمّين، بتحقيق المطالب الأوسع نطاقاً مثل إنهاء الحرب، والانسحاب الإسرائيلي الكامل، أو رفع الحصار. وبدون ربط عمليات التبادل بتحقيق هذه المطالب، قد تشعر «إسرائيل» بضغوط أقلّ لإجبارها على التسليم بالحقوق الوطنية الفلسطينية لا سيما في ظلّ طغيان مشاريع اليمين واليمين المتطرف لتصفية القضية الفلسطينية مدعومين من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي جاهرت علناً بالدعوة إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لتحويله إلى «ريفييرا» تحت السيطرة الأميركية الاستعمارية.
ـ القوة التفاوضية: من المعروف انّ حركات المقاومة وفي المقدمة حماس استخدمت ورقة الأسرى الإسرائيليين كأداة ضغط ومساومة أساسية لانتزاع التنازلات من كيان العدو (على سبيل المثال، صفقة جلعاد شاليط في عام 2011). وإذا تخلت عن هذه الورقة قبل الأوان، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف موقفها في المفاوضات بشأن قضايا مثل إعادة الإعمار، وإلزام حكومة نتنياهو بوقف الحرب والانسحاب الكامل من القطاع وفك الحصار.
الاعتبار الثاني:
ـ الرأي العام: إنّ إطلاق سراح الأسرى من سجون العدو له أهمية رمزية عميقة بالنسبة للشعب الفلسطيني وتعزيز مسيرته النضالية ضدّ الاحتلال، حيث يشكل الأسرى طليعة المقاومين، ومع ذلك، فإنّ عمليات التبادل المتكررة دون تحقيق إنجازات كبيرة قد تؤدّي إلى انتقادات مفادها أنّ حماس تعطي الأولوية للانتصارات التكتيكية على الأهداف الاستراتيجية مثل إنهاء الاحتلال.. خصوصاً في هذه المرحلة الحساسة من الصراع بعد حرب إبادة صهيونية يحتاج فيها القطاع الى استراحة طويلة تمكّن أهل القطاع من التقاط أنفاسهم وإعادة إعمار شاملة…
ـ شرعية المقاومة: تواجه المقاومة أيضاً تحدياً يتمثل في كيفية مواجهة حاجات شعبها الملحة للحدّ من المعاناة وإيجاد حلول للأزمات الإنسانية. ولهذا فإنه في حال تأخرت إعادة الإعمار، واستمرّ الحصار الإسرائيلي في منع دخول المعدات الثقيلة والبيوت الجاهزة، فقد يؤدّي ذلك إلى خلق حالة من الإحباط العام مع اشتداد المعاناة نتيجة الظروف المعيشية، مما يهدّد بإضعاف الحضور الشعبي لحركات المقاومة وفي الطليعة حماس، وهو هدف يراهن عليه الاحتلال لانتزاع تنازلات من المقاومة لقاء تسهيل إعادة الإعمار…
الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية
ـ الالتزامات الأخلاقية: قد تشعر حماس بأنها مضطرة إلى تأمين الحرية للأسرى في السجون الإسرائيلية، بغض النظر عن الظروف السياسية. وهذا يتماشى مع هويتها كحركة مقاومة تدافع عن الحقوق الفلسطينية.
ـ خطر التصعيد: إنّ استمرار الصراع دون وقف إطلاق النار من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الدمار الذي لحق بغزة، مما يجعل إعادة الإعمار أكثر صعوبة. وربما تفاضل حماس بين ضرورة إطلاق سراح الأسرى العاجلة والحاجة الملحة إلى وقف الحرب وإعادة الإعمار.
الاعتبار الدبلوماسي
ـ الضغوط الدبلوماسية: إذا وافقت حماس على عمليات تبادل غير مشروطة، فقد تدفع أميركا و»إسرائيل» إلى التشدّد أكثر في رفض تقديم تنازلات مقابلة. والتجربة معهما تؤكد ذلك حيث تسعيان إلى استعادة الأسرى بأقلّ ثمن ممكن، فيما حكومة نتنياهو عمدت باستمرار للتنصّل من التزاماتها في الاتفاقات.
ـ قد تؤدي المرونة في شروط التبادل الأخير للأسرى، إلى إظهار حماس على أنها ليست أهلاً للقيادة وأنها فرّطت بورقة القوة التي تملكها من دون تحقيق المطالب الأساسية.. وهو أمر سوف تنظر اليه «إسرائيل» على أنه مؤشر على وهن وضعف.
خلاصة القول، من المرجح أن تواجه حماس معضلة إعطاء الأولوية للمكاسب الإنسانية الملحة، مقابل المطالب الأساسية الاستراتيجية مثل وقف إطلاق النار والانسحاب وإعادة الإعمار… وفي حين تحقق عمليات تبادل الأسرى تعزيز مكانة حركات المقاومة على المستوى المحلي، فإنّ فصلها عن المطالب الأكبر يهدّد بتكريس الوضع الراهن، وترك غزة تحت الحصار والمعاناة واحتمالات عودة الحرب الصهيونية الشرسة، مقرونة بتشدّد نتنياهو في شروطه لوقف الحرب وفكّ الحصار، مثل نزع سلاح المقاومة وخروج قيادتها من قطاع غزة، ايّ تحقيق ما عجز عنه في الحرب…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى