أول حوار للرئيس: وطنيّ حكيم مخضرم

ناصر قنديل
– الحوار الأول لرئيس الجمهورية العماد جوزف عون، وعشية زيارته إلى السعودية، يبدو الرئيس واضحاً في أفكاره ونظرته إلى مسار رئاسته مدركاً للتعقيدات والمهام والآمال، ورغم الحاجة للدبلوماسية في كثير من النقاط لا يبدو الرئيس من النوع المجامل على حساب أفكاره، أو الذي يطلق مواقف بحساب استرضاء أحد أو عدم إغضاب أحد، متفائل بأن الوسطية السياسية التي يمثلها ويعمل بموجب منهجها، وهي ليست وسطية في الشأن الوطني، سوف تنجح بإطلاق مناخ لبناني حواري غير تصادميّ يمهّد طريق النجاح في نهوض الدولة.
– الدولة هي المشروع والدولة يجب أن تكون صاحبة القرار في كل شيء، خصوصاً في السلم والحرب ولكن لهذا تبعات وعليه تترتب مسؤوليات، أولها أن تكون الدولة مستعدّة لتحمل التبعات والمخاطر، والرئيس يقول إنه لها، فهو يقول إن العلاقة مع أميركا مصلحة لبنانية، لكنه يجيب عن سؤال حول الانتهاكات الإسرائيلية بوضوح إنها مخالفة لاتفاق رعته وضمنت تنفيذه أميركا، وهو لا يعلم إذا كان التنصل الإسرائيلي من الاتفاق وعدم التدخل الأميركي لمنعه تعبيراً عن عدم رغبة أميركية بالمنع او عن انتظار أميركي للتوقيت المناسب ويخلص إلى أننا سوف نرى نتيجة العمل الدبلوماسي ونحكم، وعندها إذا كان لا بدّ لتحرير الأرض من عمل عسكريّ فليكن، وإن كان ضرورياً من موقع الدولة صاحبة القرار أن تستعين بمن هم خارج الجيش من شعبها فليكن أيضاً، والدولة عندما تتحمّل المسؤولية تستطيع أن تقول ماذا تريد من الآخرين وأين وكيف؟
– الجنوب الآن هو الأولوية، سواء في تطبيق القرار 1701، أو في إعادة الإعمار، والرئيس مرتاح لروح التعاون العالية حول هذه الأولويات، ولا مشكلة يواجهها مع أحد، خصوصاً مع حزب الله على هذا الصعيد، وهو مرتاح لكلام الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ويقتبس منه حرفياً في الحوار، نصوصاً عن المقاومة والدولة وينوّه بها، ومرتاح لكلمة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في جلسة مناقشة البيان الوزاري للحكومة ومنح الكتلة الثقة للحكومة، وواثق أن المساعي الدبلوماسية تلقى تعاوناً وتسهيلاً لتنجح الدولة في المهمة، وأن تنفيذ التزامات لبنان من القرار 1701 في الجنوب تمّ بسلاسة، وأنه في حال لم يتمّ التوصل إلى نتيجة مرضية بانسحاب الاحتلال، سوف تكون الاستراتيجية الدفاعية هي الجواب، وتكون الدولة صاحبة القرار والمبادرة لمواجهة كل الاحتمالات بما فيها احتمال الخيار العسكري.
– يقول الرئيس إن قضية السلاح ليست عقبة أمام تمويل إعادة الإعمار، وإنه سمع تركيزاً على الشروط الإصلاحيّة ولم يسمع شيئاً عن السلاح، أما التركيز على تطبيق القرار 1701 فهو أمر يدعم لبنان لأن اللبنانيين ملتزمون ومتفقون على الالتزام. وفي كل خلفيات الحوار وبين سطوره وضوح بأن الاتفاق الذي قبل به لبنان، لا يطرح إنهاء ملف سلاح المقاومة كشرط لانسحاب قوات الاحتلال، ولا كشرط لتمويل إعادة الإعمار، والرئيس يبدو واثقاً من أن لا وجود لعقبة سوف تظهر في العلاقة مع المقاومة، سواء نجحت الدبلوماسية في إنهاء الاحتلال والاعتداءات وإلزام العدو بتطبيق موجباته في القرار 1701، ففي هذه الحالة سوف تكون الدولة والمقاومة في موقع الترحيب والتمهيد للانطلاق إلى مرحلة جديدة من التعاون تحت عنوان بناء الدولة القوية والعادلة، إما إن فشلت الدبلوماسية فسوف تكون الدولة والمقاومة معاً في مواجهة التحديات واللجوء إلى خيار القوة، وتكون الدولة أمام المقاومة لا وراءها.
– الرئيس يبدو واضحاً ومريحاً في آن، مطمئناً وقادراً على نقل الاطمئنان إلى الغير، صادقاً وجاداً في خدمة مشروع الدولة لكن بلا أوهام أن الدولة تبنى بالدعم الخارجي والتخلي عن المسؤوليات الوطنية أو الانحياز إلى العصبيات الداخلية، وبدت الوطنية والحكمة مصدر حنكة رجل مخضرم.