من مسجد الخليل إلى سيّدة النجاة…

العالم العربي غارق في النحيب؛
لبس عباءةً من الدمع واستقال من رجولته،
العالم العربيّ غاضب…
لكنه غضبُ الكلمة التي لا تبعث ميتاً،
وغضبُ الدمعة التي لا تحيي رميماً، وغضبُ الصحراء وقد باعت خيولها، وخصتْ فرسانها، وقتلت شعراءها، وكسرت رماحها…
ثَمّ اكتفت بالحداء!
وماذا ينفع الحداء إذا جرّدوا الصحراء من خيولها، وفرسانها، وشعرائها… وتحوّل الكلّ إلى نساء يبكين ملكاً ضائعاً؟
الآن… وقد حدث ما حدث،
الآن… وقد صار الموت جنازة جماعية،
في مسجد الخليل وفي كنيسة سيّدة النجاة صار الموت جنازةً جماعيّة، فماذا نفعل؟
حتماً… سننتظر موتاً جماعيّاً آخرَ في مكان ما، وفي زمن ما، من هذا العالم العربيّ الغارق في كآبة الدموع، وحتّى إذا حدث ذلك، وسيحدث، فلن يتغيّر شيء، وسنبقى على قارعة الطريق نستجدي تصريحاً من البيت الأبيض، أو من مجلس الأمن، أو من الجمعية العمومية… ثَمّ نحبس التصريحات كلّها في أرشيف وزارة الخارجية.
الآن وقد حدث ما حدث، دعونا نتكلّم بوضوح…
ـ إنّ مايسترو واحداً هو الذي عزف نشيد الموت في مسجد الخليل وفي كنيسة النجاة.
ـ وإنّ «إسرائيل»، حمائمَ وصقوراً، ما زالت ترى في دير ياسين وكفر قاسم النموذجين المثاليين لاستمرارها كدولة مغتصبة في قلب بلاد الشام.
ـ وإن يهود الداخل ـ وما أكثرهم اليوم ـ هم المروّجون، وهم الأداة، وهم النفق الذي من خلاله تستطيع «إسرائيل» أن تصل، لا إلى كنائسنا ومساجدنا فحسب، وإنما إلى كلّ بيت من بيوتنا غير المحصّنة، والغارقة في لعبة التعصّب الديني الذي سيفقدها الأرض والسماء معاً.
ـ وإنّ التطبيع الذي تسعى إليه «إسرائيل» هو تطبيع للدم الذي يُسفح، والكرامة التي تُهدر، والقومية التي بيعت ببضعٍ من آبار النفط.
ـ وإنّ «إسرائيل» لا تريد سلاماً إلّا بشروطها، ولا تعايشاً إلا تحت حرابها، ولا إيماناً إلا من خلال تلمودها، ولا إلهاً إلّا يهوه الذي لا تثير شهيته إلا رائحة الدم، ولا يتأهّل إلا بالمجازر التي تملأ صفحات التوراة.
ـ وإنّ العرب قد انتهوا بدءاً باتفاق غزّة ـ أريحا، وانتهاء بمجازر الحرم الابراهيمي وسيّدة النجاة.
إلا إذا أعادوا إلى الصحراء خيولها، وفرسانها، وشعراءها، وتعاهدوا على وقفة عزّ، وردّدوا…
كلنا مسلمون لربّ العالمين، منّا من أسلم لله بالإنجيل، ومنّا من أسلم لله بالقرآن، ومنّا من أسلم لله بالحكمة، وليس لنا من عدوّ يقاتلنا في ديننا وحقّنا ووطننا سوى اليهود.