عربيات ودوليات

ماذا يحدث بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية؟

 

كتب ألكسندر نازاروف على صفحته الخاصة بقناة «تلغرام»:

سأحاول طرح المبررات الاقتصادية التي تجعل الولايات المتحدة وأوروبا عدوّين، ولماذا ستتصاعد المواجهة بينهما؟
لقد كانت حتمية المواجهة، ثم الحرب التجارية، فالحرب الساخنة بين الصين والولايات المتحدة واضحة منذ سنوات، استناداً إلى حجم واتجاه التنمية للبلدين (النمو الاقتصادي في الصين، وتدهور الصناعة واختفائها في الولايات المتحدة). في الوقت نفسه، فالمراكز الصناعية الرئيسية في العالم ثلاثة: أوروبا والولايات المتحدة والصين.
فأين تقع أوروبا من هذه المعادلة؟
لقد أخفقت الولايات المتحدة في ملاحظة الأزمة المقتربة، وأدركت التهديد الصيني متأخراً، فيما نجحت الصين في أن تصبح مكتفية ذاتياً ومستقلة من الناحية التكنولوجية.
كذلك عانت الولايات المتحدة من كارثة في حربها بالوكالة مع روسيا، وبرغم من أن الجبهة في أوكرانيا لا تتحرّك تقريباً، فقد أصبح من الواضح لجميع الأطراف أنّه لم يعد هناك ما يكفي من الموارد اللازمة للحفاظ على بقاء نظام زيلينسكي النازي لا في أوكرانيا ولا في أوروبا ولا في الولايات المتحدة، في حين أن الأخيرة بحاجة ماسّة إلى إعادة توزيع الموارد للحرب مع إيران والصين. ولم يعُد سقوط النظام والهزيمة العسكرية المرجّحة والانهيار الكامل للبلاد على بعد سنوات، بل أشهر، وربما خلال السنة الحاليّة.
في الوقت نفسه، لا يمكن تحميل ترامب مسؤوليّة الهزيمة. وانسحابه من المغامرة الأوكرانية ليس سوى اعتراف رسميّ بالهزيمة التي حدثت في عهد بايدن.
ويُعدّ الانتصار الروسي في أوكرانيا كارثياً بالنسبة للولايات المتحدة لأنه يشكل سابقة لهزيمة الولايات المتحدة، ما يجعل من المستحيل تقريباً إجبار بقية العالم على المشاركة في الحرب الأميركية التجارية ضد الصين، في الوقت الذي ترى فيه دول أن الولايات المتحدة ضعيفة، ولا تستطيع حماية حلفائها، وعلاوة على ذلك، ففي أي صدام بين الولايات المتحدة وأعدائها، فإن الحلفاء هم أول مَن يموت.
وهكذا، فإن الحرب التجارية التي شنّها ترامب على الصين خسرتها الولايات المتحدة حتى قبل أن تبدأ. بل ستضرّ بالولايات المتحدة نفسها، حيث سيرتفع التضخم في البلاد وتتسارع عجلته، وإن لم يكن انتقال الحلفاء السابقين إلى المعسكر الصيني حتمياً، فعلى أقل تقدير ستنسحب تلك الدول من المعسكر الأميركي برفضها المشاركة في الحصار التجاري على الصين.
بهذه الطريقة، لن يكون من الممكن خنق الصين اقتصادياً بحرب تجارية، ليصبح من المؤكد أنه من المستحيل تجنّب الصراع العسكريّ، أو على الأقل الحصار البحريّ.
إلا أن الولايات المتحدة ليست مستعدة داخلياً لحرب شاملة مع الصين، فهي تتطلب تعزيزاً سياسياً للأمة وتعبئة عسكرية للاقتصاد على الطريقة الستالينية، مع توجيه كل الموارد نحو إنتاج الأسلحة، مع القضاء على أي فرصة للاحتجاج أو العصيان، والقضاء على المعارضة، وإلغاء الانتخابات، وإقامة نظام استبداديّ. ويجب أن نأخذ في الاعتبار أن هذا من المرجح أن يحدث على خلفية أزمة اقتصادية ناجمة ليس فقط عن الحرب والتجارية التي يشنها ترامب، بل أيضاً عن انهيار هرم الديون العالمية.
باختصار، فإن الحرب مع الصين (ولا قدّر الله بالتزامن مع حرب مع روسيا) ستتطلب من الولايات المتحدة أن تستخدم كل قوتها. ويتطلب هذا التحول في البلاد توافر الظروف، والأهم من ذلك الوقت.
والمنطق الذي يدفع الولايات المتحدة للمواجهة مع أوروبا هو نفسه المنطق ذاته الذي دفع إدارة بايدن إلى اختيار التعامل مع روسيا أولاً قبل التعامل مع الصين. وقبل قتال العدو الرئيسي، من المعتاد أن يتمّ أولاً تحييد العضو الأضعف في التحالف المعادي.
ومع أن أوروبا ليست عضواً في التحالف الصيني، إلا أنها ستفرض، على الأرجح، المشاركة في حروب ترامب، ومحاولة تحقيق تبعيتها الكاملة لواشنطن تجعل الصراع معها حقيقياً وخطيراً للغاية.
وهذا ينطبق أيضاً، بالمناسبة، على رؤية ترامب لدور روسيا، يمثل الخروج من أوكرانيا سعياً نحو الهدف نفسه وهو انتزاعها من الصين، أو الأفضل من ذلك، نقل روسيا إلى المعسكر الأميركي، وإجبارها على القتال ضد الصين. ولذلك، لا ينبغي أن ينظر إلى الانسحاب الأميركي من أوكرانيا باعتباره علامة على التطبيع الكامل للعلاقات مع روسيا، بل سيبدو الأمر وكأنّه تطبيع فقط حتى يدرك ترامب فشله في تدمير التحالف الروسيّ الصينيّ. ومن ثم ستستأنف المواجهة. ما لم تتخذ روسيا موقفاً محايداً بطبيعة الحال.
في الوقت نفسه، سيكتفي ترامب بأيّ من الخيارين المحتملين: إخضاع أوروبا وتدميرها، وصولاً إلى انهيار الاتحاد الأوروبي. وكما قلتُ آنفاً، هناك ثلاثة مراكز صناعيّة في العالم، في حين أن المساحة الكافية تحت الشمس تكفي فقط لواحد ونصف من المراكز الثلاثة. وتدمير الصناعة الأوروبية لن يؤدي فقط إلى إخضاع شبه الجزيرة الأوراسية للولايات المتحدة، بل سيؤدي أيضاً إلى تأخير انهيار الاقتصاد الأميركي، وبالتالي سيمنح إدارة ترامب المزيد من الوقت لتحويل البلاد داخلياً.
بناء على ذلك، فإن المعارضة الأوروبية المناهضة للولايات المتحدة بشأن القضية الأوكرانية ليست سوى واجهة للحرب التجارية المقبلة مع الولايات المتحدة والصراع حول القضية الرئيسية ألا وهي مشاركة أوروبا في الحرب مع الصين. لقد خسرت أوكرانيا بالفعل، ولم يعُد بإمكان أوروبا إنقاذها، وأعتقد أن الجميع يفهمون هذا الآن، بما في ذلك الأوروبيون. وتعتبر الخلافات حول القضايا الأخرى، LGBT على سبيل المثال وغيرها من التوترات بين المحافظين والليبراليين ثانوية على الإطلاق. أما الأمر الرئيسيّ، دائماً وفي كل مكان، فهو الاقتصاد، أساس الحياة: الغذاء والدفء والمأوى والسقف الحامي فوق رأسك. حتى الآن، حصلت أوروبا على فوائد أكثر من المساوئ من النمو الاقتصادي الصيني، وهي ليست مستعدة بعد لمحاربة الصين، أو حتى المشاركة في الحرب التجارية وبإمكانها إحباط كافة جهود ترامب.
ولكن، بشكل عام، فإن أوروبا تظهر افتقارها إلى التفكير الاستراتيجي أو أي تفكير آخر، وتسترخي في ظل ازدهارها. فقد دمّرت علاقاتها مع روسيا، وقد تدخل في الحرب ضدها، ولا تملك الموارد ولا أي صفات أخرى تخوّلها للبقاء على قيد الحياة في الحرب العالمية التي بدأت. وأول مَن سيتمّ إقصاؤه في المثلث آنف الذكر هو الجانب الأضعف: أوروبا. وبعد ذلك ستبدأ الولايات المتحدة والصين في ترتيب الأمور بينهما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى