ماذا عن اتفاق غزة وعدم التزام نتنياهو بالمرحلة الثانية؟*

مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار في غزة، بدأت الضغوط على الاحتلال الإسرائيلي للبدء بمباحثات المرحلة الثانية من الاتفاق، وهو الذي يماطل في بدء المحادثات التي كان من المفترض أن تبدأ في اليوم الـ16 من المرحلة الأولى وتنتهي في اليوم الـ 35 من نفس المرحلة. وقد بدأت المماطلة عشية لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
وقد ظهرت هشاشة الاتفاق في المرحلة الأولى عبر امتناع الاحتلال عن الالتزام باستحقاقات المرحلة الأولى خاصة البروتوكول الإنساني دون أن يتمّ تدفيع الاحتلال ثمن عدم التزامه، ولكن حماس قد حاولت تعليق تسليم الدفعة السادسة من عملية التبادل، لكنها سرعان ما وافقت على ذلك بسبب ضمان الوسطاء النابع من وعود الاحتلال بتنفيذ التزاماته من الاتفاق، ولم يفعل الاحتلال ذلك بعد تنفيذ الدفعة السادسة.
ووضع الاحتلال شروطاً جديدة لمباحثات المرحلة الثانية، على رأسها نزع السلاح في قطاع غزة والذي يعني تحقيق أهداف الحرب المتمثلة في إنهاء المقاومة وحكم حماس السياسي للقطاع، وتفكيك بنيتها العسكرية في القطاع.
وجاءت الشروط الإسرائيلية للضغط على الأطراف المعنية كي تعمل على تحقيق هذه الأهداف من خلال المسار السياسي، أيّ إنهاء المرحلة الثانية بتحقيق هدف الحرب الأساسي ألا وهو إنهاء المقاومة وحكم حماس، وكان نتنياهو قد صرّح لأول مرة منذ اندلاع الحرب على غزة، بأنّ (إسرائيل) متمسكة بهدف إنهاء حركة حماس، وغير مستبعد أن يكون ذلك بالطرق السياسية الدبلوماسية، وليس بالضرورة بالأداة العسكرية. كانت هذه المرة الأولى التي لا يستثني فيها نتنياهو المسار السياسي، لتحقيق أهداف الحرب، وواضح أنّ ذلك نابع من طلب أميركي بدخول مباحثات المرحلة الثانية، وينسجم مع تصريحات ويتكوف بأنّ حماس لن تكون حاكمة في غزة مع نهاية تطبيق الاتفاق، مع تأكيده الحاجة لتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق وفق المقترح الذي قدّمه .
وتعدّ المرحلة الثانية هي المرحلة الأهمّ في الاتفاق، فمنطق الاتفاق برمّته قائم على المرحلة الثانية التي من المفروض أن تؤدي إلى وقف مستدام للقتال، وانسحاب القوات الإسرائيلية من محور فيلادلفيا وإطلاق جميع الأسرى الإسرائيليين، لا سيما الأحياء منهم، بحيث يُحقق الطرفان مرادهما: حماس بوقف الحرب، و»إسرائيل» باستعادة جميع أسراها من قطاع غزة، والتمهيد لبدء مباحثات المرحلة الثالثة حول مستقبل قطاع غزة وإعادة الإعمار. بمعنى أنّ المرحلة الثانية هي التي ستحدّد مستقبل الحرب، لكنها لن تحدّد مستقبل قطاع غزة.
ولا يرغب نتنياهو بهذا المسار للمرحلة الثانية، ويعتقد أن الثمن الذي ستدفعه (إسرائيل) كبير قياساً بالنتائج، فهي عملياً سوف تحقق هدفاً واحداً من أهداف الحرب: إغلاق ملف الأسرى والرهائن الإسرائيليين دون ضمان تحقيق باقي الأهداف.
وتهدف المرحلة الثانية التي كان من المقرّر أن تبدأ في الثاني من شهر شباط الماضي إلى التفاوض على إنهاء الحرب وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة، وهذا ما يعارضه اليمين الإسرائيلي المتحالف مع نتنياهو الخائف على استمرار حكومته، وتتخوّف أوساط إسرائيلية من أن يضع نتنياهو العراقيل في المرحلة الثانية وهو الذي يعارض أيّ صفقة تنهي الحرب وتبقى فيها المقاومة التي لن ترضخ لهذه الشروط والأوهام مما يبقي احتمال العودة للحرب قائماً ولكن ما يضعف احتمال حصول هذا الأمر هو الهدف الأساسي الذي يضعه نتنياهو وهو أن تؤدي نهاية المرحلة الثانية للحرب إلى أوسع عملية تطبيع مع عدد من الدول العربية، ويلعب الدور المركزي في هذا الإطار الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، ولتحقيق هذا الهدف يجري كلّ من رئيس جهاز الموساد ديفيد برنياع ورون ديرمر محادثات التطبيع مع دول عربية من بينها المملكة العربية السعودية كجزء من اتفاق المرحلة الثانية وبشكل خاص الشق السياسي منها، إضافة لأربعة شروط إسرائيلية تتعلق بإطلاق جميع الأسرى الإسرائيليين وإبعاد حماس عن قطاع غزة ونزع سلاح المقاومة والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على قطاع غزة، ومن أجل الوصول لذلك يسعى الإسرائيليون بدعم أميركي إلى تمديد المرحلة الأولى مدة 42 يوم إضافية دون الدخول في المرحلة الثانية وفق الاتفاق، مما يتيح لهم التنصل من التزامات المرحلة الثانية التي تهدف إلى وقف دائم للحرب وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة، ومن المعروف أيضاً أنّ هذه المرحلة مرتبطة بأسماء أسرى يرفض الاحتلال الإفراج عنهم ولاحقاً ملف إعادة الإعمار الذي يسعى ترامب إلى تسويقه والأهمّ هو ما يتعلق باليوم التالي لغزة، حيث أكدت حماس ومعها كل الفصائل الفلسطينية بأنه لن يكون إلا فلسطينياً.
وبعدما أعلن ترامب دعمه الكامل لنتنياهو بحال العودة إلى الحرب رغم تأكيده سابقاً على تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق فإنّ السيناريوات المطروحة من قبل ترامب ونتنياهو هي:
1 ـ التفاوض على المرحلة الثانية بما يحقق الشروط الإسرائيلية للتطبيع مع الدول العربية وتفكيك قدرات المقاومة في قطاع غزة.
2 ـ استئناف الحرب والعمليات العسكرية بدعم أميركي ووقف إدخال المساعدات.
3 ـ تمديد المرحلة الأولى خلال شهر رمضان وإطلاق المزيد من الأسرى وهذا الخيار يفضله الإسرائيليون والأميركيون ولكن حماس وقوى المقاومة ترفض ذلك بقوة دون أن يعني ذلك عدم بحث الخيارات التي تفضي إلى الوصول لوقف شامل للحرب وانسحاب كامل لجيش الاحتلال بعد إنتهاء شهر رمضان.
وهذا الأمر يرحل مسألة استئناف الحرب أو تنفيذ كامل بنود الاتفاق أسابيع إضافية مع تأكيد حركة حماس على التزامها الكامل بتنفيذ الاتفاق بكل مراحله وحيثياته وبنوده، وهي تطالب دوماً الوسطاء والمجتمع الدولي إلزام الاحتلال بذلك، معتبرة بأن تعطيل الاحتلال المرحلة الثانية لا يسمح بتمديد المرحلة الأولى.
وإذا كان الاتفاق في مرحلته الثانية مشروط إسرائيلياً بالتطبيع مع الدول العربية بشكل علني، فإنّ ذلك يتطلب من الدول العربية المطبعة أو التي تفكر في التطبيع أن تتراجع عن هذا الأمر الخطير على القضية الفلسطينية برمتها، ولأنّ كيان الاحتلال الذي اغتصب الأرض الفلسطينية في العام 1948 يشكل تهديداً على المنطقة والعالم وليس على الفلسطينيين فقط، فإنّ التقدير العملي لمواجهة مماطلة الإسرائيليين بتنفيذ متطلبات المرحلة الثانية من الاتفاق دون زيادة أو نقصان، يتطلب كما يأمل الفلسطينيون أن يتمّ وقف التطبيع وعدم الإقدام على خطوات جديدة نحو التطبيع الذي يربطه الأميركيون والإسرائيليون بالمرحلة الثانية من الاتفاق وموقف المقاومة الفلسطينية ثابت وواضح برفض عمليات التطبيع التي يستفيد منها الاحتلال لشرعنة وجوده وعدوانه المستمر على غزة والضفة الغربية وكلّ فلسطين. والمطلوب من العرب الثبات على الموقف الرافض للتهجير ولأيّ تمديد أو تعديل للاتفاق بكافة مراحله ودعم الموقف الفلسطيني، وهذا الموقف يشكل طوق نجاة للجميع بمواجهة الاحتلال الاحتلال والضغوط الأميركية.
*قسم الدراسات المركزي في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة»