مقالات وآراء

إقرار موازنة 2025 ضدّ الإصلاح… الضرائب والرسوم حقيقة لا تغيّرها الوعود!

 

 أحمد بهجة

 

يرى البعض أنه من المبكر توجيه انتقادات للحكومة الحالية كونها بالكاد بدأت تتلمّس طريقها بعد نيلها الثقة من المجلس النيابي. ربما يكون هذا الرأي صائباً من جوانب كثيرة، لكن في موضوع إقرار الموازنة العامة للعام الحالي 2025 لا بدّ من لفت النظر إلى العديد من الشوائب التي أحاطت بهذا الملفّ في الشكل والمضمون، كون الموازنة العامة من أهمّ الأعمال التي تقوم بها الحكومة، ولذلك نجد أنّ إقرار الموازنة يحتاج إلى ثلثي أصوات الوزراء الذين تتألّف منهم الحكومة قانوناً.
من هنا تأتي ضرورة التنبيه والتحذير بشكل مباشر من الدخول في مفترق طريق خاطئ، لأنّ التصحيح ممكن وسهل حين نكون في بداية هذا الطريق، وبالإمكان العودة إلى الطريق الصحيح من دون عناء كبير كوننا لا نزال قريبين منه، لكن التوغل أكثر فأكثر في المفترق الخاطئ سوف يبعدنا عن الطريق الصحيح الذي يصبح أكثر بُعداً كلما طالت مسافة سيرنا في الطريق الخطأ!
أوّل ما يلفت النظر هو أنّ الحكومة الحالية أقرّت موازنة ليست من إعدادها بل هي موروثة من الحكومة السابقة التي كانت حكومة تصريف أعمال غير حائزة على ثقة المجلس النيابي الحالي.
ثمّ أنها موازنة لم تعرض على الهيئة العامة للمجلس النيابي، ولا ناقشتها لجنة المال والموازنة، بل كانت هناك آراء نيابية بضرورة أن تستردّها الحكومة لإعادة درسها وإدخال التعديلات اللازمة عليها ومن ثم إحالتها مجدّداً إلى المجلس النيابي لمناقشتها وإقرارها، لكن ما حصل أنّ الحكومة أصدرتها بمرسوم، فقط من أجل التخلص من القاعدة الاثني عشرية التي تجبرها بالإنفاق على قاعدة آخر موازنة عامة أقرّها المجلس النيابي وهي موازنة العام 2022، رغم أنّ إقرارها بمرسوم يخالف كلّ التوقعات ووعود الإصلاح التي وردت في خطاب القسم وفي البيان الوزاري، والتي كان يُفترض أن تعكسها موازنة العام 2025 كإجراء طبيعي يتماشى مع المرحلة الحالية وما ينتظره المواطنون من تحقيق للوعود الكثيرة بإحداث تغييرات أساسية في الممارسة والسلوك، وبالتالي الوصول إلى النتائج المرجوّة من الانطلاقة الجديدة على كلّ المستويات.
لقد تغيّرت أمور كثيرة منذ أن أقرّت الحكومة السابقة مشروع قانون الموازنة وأحالته إلى المجلس النيابي في 23 أيلول 2024، ضمن المهلة المحدّدة قبل نهاية شهر أيلول، لكن كما يعرف الجميع فإنّ ذلك اليوم كان البداية الفعلية للحرب العدوانية «الإسرائيلية على لبنان بكلّ ما تخللها من بربرية ووحشية وهمجية ضدّ البشر والحجر والشجر والأرض بكلّ ما فيها وعليها من خيرات ومزروعات وثروات…!
اليوم نحن في زمن مختلف حيث يجب أن تلحظ الموازنة العامة ما حصل من تبدّلات لم تكن في الحسبان، سواء من حيث الحاجة الكبيرة إلى المزيد من الإنفاق لتغطية متطلبات إعادة الإعمار والبناء وكلّ تداعيات العدوان خاصة على صعيد الطبابة والاستشفاء، وأيضاً يجب أن يأخذ مشروع قانون الموازنة بعين الاعتبار التغييرات المرتقبة على صعيد انخفاض الإيرادات نظراً لتراجع النشاط الاقتصادي، إضافة إلى مسألة تعليق المهل ومشاريع الإعفاء من الضرائب والرسوم للمتضرّرين من العدوان وبالتالي للبنانيين عموماً…
ولعلّ أبرز ملاحظة هي استمرار هذه الحكومة بارتكاب المخالفة المزمنة والمستمرة منذ العام 1994، أيّ غياب قطع الحساب، وهو ما وصفه المجلس الدستوري سابقاً بأنه «وضع شاذ» يجب وضع حدّ له، لكن مَن كان يؤمَل منهم أن يضعوا هذا الحدّ تبيّن أنهم لا يختلفون بشيء إلا بالخطابات الرنانة الفارغة من أيّ مضمون، خاصة أنّ رئيس الحكومة القاضي نواف سلام خرج ليبرّر الأمر بالقول للصحافيين إنّ الحكومة تستعدّ لإعداد موازنة العام 2026، و «التي ستكون الموازنة الإصلاحية الإنمائية التي بإمكانكم محاسبتنا عليها، وليس على موازنة العام 2025، وهنا أيضاً لم يأتِ الرئيس سلام على ذكر مسألة قطع الحساب!
على أنّ الأمر الأكثر غرابة، (والمضحك المبكي)، والذي يستدعي الكثير من الشكوك والأسئلة هو قول الرئيس سلام “إنّ مجلس الوزراء كلّف وزير المالية ياسين جابر بإعداد مشروع خلال أسبوع لإعادة النظر في الرسوم الواردة في الموازنة”.
هنا يأتي فوراً السؤال: ألم يكن ممكناً أن تنتظر الموازنة أسبوعاً إضافياً ريثما يكون الوزير جابر قدّ أعدّ ما طُلب منه في ما يخصّ الرسوم والضرائب، ومن ثم يتمّ إقرار الموازنة بشكل نهائي ومن دون أن تُستتبع بمشاريع جانبية من هنا وهناك!
أمّ أنّ الأمر مجرد ذرّ للرماد في العيون، واللجوء كالعادة إلى “علم التنويم المغناطيسي” لتمرير ما يُراد تمريره تحت ستار أننا نعدّ مشاريع جديدة للضرائب والرسوم، ثم يجد المواطنون أنفسهم أمام هذه الضرائب والرسوم وجهاً لوجه ولا مفرّ لهم من تسديدها وتحمّل الكأس المرّة بعدما وقَعوا في كمين الأحلام والوعود البراقة…!
طبعاً هناك الكثير من التفاصيل الجديرة بالنقاش في الموازنة العامة، لكن لا بأس من الانتظار قليلاً لمعرفة ما إذا كانت الحكومة ستستجيب للدعوات الكثيرة لإعادة النظر بقرارها إصدار الموازنة بمرسوم، أو أنّ “ما كُتب قد كُتب”، وعلينا بالتالي التعاطي مع الموجود…؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى