الزلزال السوري

– لم تتكشف بعد الأرقام النهائية لضحايا المجازر التي ارتكبت بحق المواطنين السوريّين العزل من أيّ سلاح، العائلات الآمنة، النساء والشيوخ والأطفال، حيث تجمع كل التقارير أن ما بات معلوماً ليس إلا جزءاً من الكارثة والزلزال، وما أعلن يتجاوز الآلاف بين شهداء وجرحى، منهم كما قالت وزارة الخارجية الألمانية أكثر من ألف قتلوا.
– فشلت خطة التكتم على الجريمة ودفنها في النسيان كما كانت ترغب القنوات الإعلامية التي يفترض أن رسالتها تقوم على كشف الحقيقة التي يرغب الحاكم، أي حاكم بإخفائها، واضطرت قنوات التستر على الجريمة إلى محاولة لفلفتها والتخفيف من حجمها وتصويرها مجرد انتهاكات محدودة، عندما صار التكتم مستحيلاً، لكن ذلك أيضاً بدا مستحيلاً فاضطرت للاعتراف بالكارثة لكن عندما صدرت بيانات دول كبرى، وبعدما أجبر النظام على الاعتراف وتشكيل لجنة تحقيق بضغط الطلبات الخارجية.
– أسقط الزلزال قناع الاعتدال الذي لبسه النظام عبر خطابات رئيسه، وجاءت الممارسة الفعليّة لأجهزته وأدواته تفضح حقيقة بنية الدولة التي يتمّ بناؤها، والتي قرّر رئيسها أن جيشها وأجهزة أمنها يجب أن تتشكل من الفصائل الجهادية التي كانت تحت أمرة هيئة تحرير الشام في إدلب، بعدما تمّ حل الجيش السوري وأجهزة الأمن والشرطة جميعها وتسريح كل العاملين فيها، فكان ما جرى خير تعبير عن طبيعة النظام.
– الحديث عن جماعات غير نظاميّة قامت بالمجازر، كذبة غير قابلة للتصديق، ويبدو تفسيراً متسرعاً بلا دراسة لأنه يفضح السماح بحمل السلاح والتنقل به والدخول إلى مناطق تعمل فيها أجهزة الدولة من غير منتمين إلى هذه الأجهزة، وهم بعرف القانون مدنيّون لم يسلّموا أسلحتهم، بينما كل خطاب النظام يقوم على منع المدنيين من حمل السلاح، فكيف يستقيم تجريد حملة حربيّة على قرى الساحل ومدنه بذريعة ملاحقة الذين لم يسلّموا سلاحهم، ويفتح الباب لدخول هذه المناطق أمام مدنيين لم يسلّموا سلاحهم أيضاً، فتصير الفضيحة الكبرى، أن تسليم السلاح مفروض على المنتمين إلى طوائف معينة وليس على كل السوريين.
– المؤسف إضافة لحجم المجازر وعدد الضحايا، أن النظام لم يجد مبرراً لتشكيل لجنة تحقيق إلا عندما صرخت دولة مثل أميركا وأدانت، وقالت إنها لن تسكت، وفعلت مثلها بريطانيا وألمانيا، وهي دول انفتحت على النظام ويتطلع الى نيل دعمها ولا يريد إغضابها، فاستجاب وأضاف إلى لجنة التحقيق لجنة السلم الأهلي.
– الذي جرى جرح لا يندمل ويصعب أن تؤدي كل المعالجات المقرّرة إلى طي صفحته، لأن الحل يبقى بأن تكون الدولة وحكومتها وجيشها وأجهزة أمنها والقضاء فيها ملكاً لكل السوريين سواسية، يتمثلون فيها سواسية، ويمثلون أمامها سواسية، أما دولة من لون واحد طائفيّ وحزبيّ في طائفة فلن تكون دولة يطمئن السوريّون للعيش في ظلها.
– المؤسف أيضاً أن النظام الذي يتحدّث بصوت مرتفع عن مفهوم السيادة لمؤسسات الدولة، وهو لم يولد عبر دستور ولا عبر انتخابات، ومؤسساته ليست إلا ميليشيات تغيّرت تسميتها، هو النظام ذاته الذي يتهرّب من مسؤولياته السيادية أمام ما يفعله جيش الاحتلال في جنوب سورية، ويتحدّث عنها بمعايير الضعف والقوة، ومعيب أن يكون النظام قوياً على شعبه ضعيفاً أمام العدو، كما كان يقول المعارضون للنظام السابق عنه، ويصحّ القول أكثر في النظام الذي بشّروا به السوريين!