نقاط على الحروف

هل يغطي اتفاق الشرع مع «قسد» على مجازر الساحل؟

 

ناصر قنديل

 

– التطور المفاجئ في الإعلان عن توقيع اتفاق بين رئيس نظام الحكم في الشام أحمد الشرع وقائد قوات سورية الديمقراطية مظلوم عبدي، قبيل انعقاد مجلس الأمن الدولي بدعوة مشتركة روسية أميركية لبحث الوضع في سورية في ضوء المجازر التي ارتكبتها فصائل النظام الحاكم في دمشق في منطقة الساحل السوري وذهب ضحيتها الآلاف، كما تقول التقارير الأممية الموثقة. وفي ضوء حصيلة أولية للبعثة الأممية التي زارت الساحل على إجماع أهاليه حول المطالبة بالحماية الدولية، يفتح الباب لطرح سؤال عما إذا كان التوقيع هو محاولة لامتصاص الغضب الدوليّ المرتبط باتهام الشرع وفريقه من الفصائل المسلحة بالغربة بالاستحواذ على الحكم، وفقاً لرؤية متطرفة دينياً لا تستطيع التشارك مع المكونات الأخرى، واعتبار المجازر ترجمة لهذا التركيب واستعصاء انفتاحه على الآخرين، فيأتي الاتفاق رداً ضمنياً بحجم كبير على هذا الاتهام والقول إن النظام الحاكم في دمشق منفتح وها هو ينفتح على المكوّن الأشد تعقيداً في المشهد السوري، وهو المكوّن الكرديّ، الذي يحظى بدعم واهتمام أوروبي أميركي.

– رواية حكومة الشام عن تجاوزات وراء المجازر لم تقنع أحداً في داخل سورية وخارجها، وقد سبقت المجازر نداءات عمّمت على كل مساجد سورية تدعو للجهاد والنفير، وهذا لا يحدث إلا بقرار صادر من أعلى المراجع، وتبع ذلك تحرك آلاف المسلحين في مواكب سيّارة ليلاً نحو الساحل، رأتهم وتعرّفت عليهم الأجهزة الحكومية التي هي فصائل مسلحة بثوب حكومي. ودخل هؤلاء إلى مدن الساحل وقراه وبلداته ليقتلوا ويسلبوا ويغتصبوا، فمَن هم بنظر الأجهزة الحكومية، مدنيون لم يقوموا بتسليم أسلحتهم تجب ملاحقتهم أسوة بما يجري مع نظرائهم في الساحل، أم هم محظيون يتمّ استثناؤهم من سحب السلاح لأنهم ميليشيا مساندة للفصائل الحاكمة، وما جرى يؤكد تهم كذلك، وهذا يستدعي الاعتراف بأن المجازر ارتكبت من ميليشيا غير شرعيّة تمّ التساهل مع وجودها بعكس نظيراتها في طوائف أخرى، بسبب انتمائها المذهبي. وهذا ما يجب على النظام الاعتراف به والبدء بمعالجته خارج سرديّة ملاحقة قانونية لأفراد أمام محاكم غير موجودة.

– مستقبل العلاقة بين مكوّنات الشعب السوري جنوباً وشمالاً وغرباً ووسطاً، تحت مجهر القوى الكبرى، خصوصاً في ضوء تحوّل نوعيّ تمثل بالتفاهم الأميركي الروسي حول أوكرانيا، مقابل تفاهم تركي أوروبي معاكس، وربّما هذا يفسر المواقف الأوروبية الداعمة لنظام الحكم في دمشق، ولومه بلغة خجولة على ما جرى، وتقدير ما سمّاه الاتحاد الأوروبي بالاستجابة السريعة، والتصرف بملاحقة الانتهاكات، بينما تحدّثت واشنطن بلغة شديدة القسوة عن تصرفات وصفتها بـ الإجرامية لإرهابيين متطرفين، ما يشير الى نيات أميركية بعدم رفع العقوبات عن سورية، وهو الأمر الذي يؤرق النظام الحاكم في دمشق. وقد قال الشرع إنه يستحيل الحفاظ على الأمن دون رفع العقوبات الأميركية، لأنه يدرك محدودية تأثير رفع العقوبات الأوروبية المحكومة بتعقيدات النظام المصرفي العالمي المرتبط بالعقوبات الأميركية. وما يعني أيضاً أن الأميركي والروسي قد ذهبا إلى صيغة تدويل بالحد الأدنى للوضع في سورية تحت عنوان مراقبين أمميين لحقوق الإنسان، وربما تحت الفصل السابع، ولا يزعج هذا النوع من التدويل مصالح “إسرائيل” بإبقاء جنوب سورية منطقة عمليات إسرائيلية، ويريح روسيا التي تستطيع مساومة نظام حكم الشام على تصويتها في مجلس الأمن الدولي.

– يأتي توقيت اتفاق الشرع مع قسد يفتح العين على مضمونه، فهو مجرّد بيان سياسي كانت قسد قد اقترحته ورفضه الشرع بسبب غموضه، وعاد قبله اليوم. والبيان لا يجيب عن شكل مشاركة المكوّن الكردي ودمجه في مؤسسات الدولة السورية، هل عبر صيغة قوة عسكرية تحافظ على استقلالها من ضمن رؤية لا مركزية لمؤسسات وزارة الدفاع كما تطلب قسد، وترفض وزارة الدفاع، وتصرّ على الاندماج على مستوى الأفراد وإعادة توزيعهم على الوحدات، وربما لا ترغب بذلك لمنع تفكيك الطابع الأحاديّ العقائديّ لجماعات الفصائل، وكذلك الأمر على مستوى الموارد النفطية والمنافذ البرية والجوية؟ هل يكون الانضمام إلى الدولة السورية وفق اللامركزية المقترحة من قسد فتدير هي الموارد والمنافذ بالنيابة عن الدولة وتسدّد بعض العائدات وتحتفظ بالبعض الآخر، أم تحل قسد تشكيلاتها وتنشأ تشكيلات بديلة تابعة لحكومة دمشق؟ وعدم تضمين البيان أي أجوبة على هذه الأسئلة يعني أن الألغام لا تزال قائمة، وهذا يفسّر مدة مفتوحة حتى نهاية العام لترجمة البيان.

– الاتفاق الأقرب إلى إعلان هدنة بين حكومة الشام وقسد، موضوع فحص داخلي وخارجي، ولأنه الأقرب إلى الواقع فهو إعلان نيات له وظيفة، فالأرجح أنه سوف يلقى ترحيباً إعلامياً، لكنه سوف يعامل بتحفظ بانتظار الترجمة التنفيذية، دون أن يحجب الضوء عن مشهد الساحل، فإذا كان قياس الأهمية الجغرافية للمناطق السورية هو بحجم النفط والغاز فيها، فإن الساحل هو منطقة النفط والغاز الواعدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى