أولى

سورية إلى الفدراليّة در!

 

كان كافياً للنظام الحاكم في دمشق أن يختبر الانهيار الخطير الذي أصاب مكانته العربية والعالمية، بمعزل عن بيانات التضامن التي تمنح عادة لحليف ضعيف تعويضاً لضعفه، حتى يتحرّك سريعاً خلال ساعات ويبدأ تحوّلاً دراماتيكياً في بنية مشروعه.
أصابت مجازر الساحل مقتلاً من النظام الحاكم الجديد، فهي أطاحت ببساطة بجهود مضنية لشهور عدة سبقت دخول دمشق وتلت دخولها، جوهرها صناعة صورة الرئيس العصريّ المدنيّ باسم جديد هو أحمد الشرع لا يشبه بشيء أبو محمد الجولاني، ويلبس البدلة الأوروبيّة وربطة العنق وساعات مميزة ويتحدّث عن التشاركية والعيش المتعدد الطوائف وسورية لجميع أبنائها، لتعيد مجازر الساحل بضربة واحدة صورة أبو محمد الجولاني وتقول إن أحمد الشرع هو صورة ذكاء صناعي أو فوتو شوب لشخص حقيقيّ هو مَن يحكم دمشق هو أبو محمد الجولاني الآتي من داعش والقاعدة إلى النصرة وهيئة تحرير الشام.
الذي جرى في اتفاقات الشرع مع قوات سورية الديمقراطية ولاحقاً مع وجهاء وقيادات من منطقة السويداء، هو عملياً هزيمة لمشروع الشرع الذي فاوض على أساسه الشهور التي مضت، ورفض خلالها كل العروض التي قبلها بالأمس، ومحور الخلاف الذي صار محور الاتفاق، أن نظام حكم دمشق يوافق على الفدراليّة بتسمية مخفّفة هي اللامركزيّة، ولذلك يكفي أن تكون القوات العسكريّة والأمنيّة في شرق الفرات وجنوب سورية ترفع راية دولة الشام، وتنسّق مع وزارة الدفاع في حكومة الشام، وعندها لا مانع من أن يكون قوامها محصوراً بأبناء منطقتها الذين لا يخدمون إلا في منطقتهم، فتكون وكيلاً إقليمياً للحكومة المركزيّة وليست جزءاً عضوياً منها.
في التفاوض السابق بين قسد والشرع وبين وجهاء السويداء والشرع، كان الشرع يقدّم لمن يفاوضهم النص الذي طلب من الفصائل المسلّحة توقيعه، والذي تعلن فيه أنها تقبل حلّ نفسها والاندماج في الوحدات العسكرية والأمنية قبل أي بحث بالتفاهم، ولما رفضوا التوقيع توقّف التفاوض، لكن هذه المرة بادر وقال للطرفين إنه يوافق على تجاوز حل الفصائل المسلحة ودمجها، ويقبل بالأمن الذاتي في المنطقتين، لكن مع إعلان أن ذلك يتمّ تحت راية وزارة الدفاع، فقبلوا.
عملياً قبض قادة قسد وبعض قادة السويداء ثمن دماء الذين سقطوا في الساحل، وكان بمستطاعهم أن يحوّلوا التفاوض حول مستقبل سورية بدلاً من مكاسبهم الفئويّة.
عملياً الفدرالية تعني مناطق نفوذ دوليّة وإقليميّة، حيث الأميركيّ في شرق الفرات، والإسرائيلي في الجنوب، وربما يكون شيئاً مشابهاً مع نفوذ روسيّ في الساحل، طالما أن كل شيء بدأ بعدما تلاقى الروسيّ والأميركيّ على عقد مجلس الأمن لبحث الوضع في سورية ولم نسمع شيئاً عن مخرجاته.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى