من البصرة إلى الساحل السوري

المشهد الأول
اكتسح الزنج البصرة في سنة 870 ميلادية، ففتكوا بأهلها فتكاً ذريعاً، وأظهروا من القساوة والفظاظة ما يفوق حدّ الوصف، ما دفع الشاعر ابن الرومي الذي آلمته همجية الزنج، فرثى البصرة بقصيدة تُعتبر من عيون شعر الرثاء الإنساني. وهي قصيدة طويلة من أبياتها:
ذادَ عن مقلتي لذيذَ المنامِ
شُغلها عنه بالدموع السّجامِ
بينما أهلها بأحسنِ حالٍ
إذ رماهم عبيدهم باصطلام
كم أبٍ قد رأى عزيزَ بنيه
وهو يُعلى بصارم صمصامِ
كم رضيع، هناك، قد فطموه
بشبا السيف، قبل حينِ الفطام
المشهد الآخر
ما حدث قبل أيام في سورية أعادني إلى ابن الرومي، وإلى الصورة المأساوية لمشهدين متطابقين بينهما ألفٌ ومئتان من الأعوام: واحدهما في العراق، وثانيهما في الساحل السوري.
فإلى كلّ طفل، وكلّ امرأة، وكلّ شيخ، وكلّ شاب وشابة، إلى هؤلاء الذين استشهدوا وسقوا أرضهم بدمائهم، أنحني أمام شهادتهم، وأعلن أنّ البحر السوري سيبقى في حِداد إلى أن يرتفع قوس العدالة في مجلس الأمن الدولي، ولو لمرة واحدة عبر تاريخه الطويل الحافل بالتردّد، والخيبة، والاستقواء على الدول الصغيرة.
والبقاء للأمة أيها الشهداء الأبرار.