بوتين وترامب ووقف النار في أوكرانيا

اختار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معادلة موفقة لتسجيل تحفظه على ما سُمّي بـ المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار في أوكرانيا لمدة شهر، بقوله إن روسيا تسعى لسلام دائم وليس لهدنة تؤسس لجولة حرب جديدة. وهذا لا يتحقق بوقف إطلاق النار المقترح الذي تعتقد موسكو أنه فخ جرى نصبه للرئيس الأميركي دونالد ترامب لإحداث الوقيعة بينه وبين الرئيس الروسي بعد الانفراج الذي تحقق في العلاقة بينهما. وتتهم موسكو أوساط البنتاغون بالتنسيق مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي لتقديم المقترح وتوريط الرئيس ترامب بتبنيه، وتسويق موافقة زيلينسكي عليه كخطوة تستحق التقدير، بينما الهدنة هي مصلحة مباشرة ل2لحكم الأوكراني الذي يخسر الحرب.
تفادى الرئيس الروسي قول لا للمقترح وتصرّف معه عبر خطوتين، الأولى بالذهاب إلى غرفة عمليات جيشه باللباس العسكري وتوجيه التعليمات بحسم السيطرة على إقليم كورسك وإنهاء الجيوب الأوكرانية في هذه المقاطعة الروسية، والخطوة الثانية هي إعلان موافقة موسكو على وقف إطلاق النار شرط استثناء مقاطعة كورسك منه لأن لها وضعاً خاصاً. وهذا يعني استمرار المعارك في كورسك ومواصلة القوات الروسية مساعي تحريرها، مقابل تجميد جبهات شرق أوكرانيا، التي اقتربت روسيا من تحقيق خططها المرسومة للسيطرة عليها.
قد يبدو في الظاهر أن طرح الرئيس بوتين التفاف يحقق ترجيحاً لصالح روسيا، لكن الحقيقة أنه يترك لموازين القوى أن تحكم، ويستطيع بوتين أن يقول ترامب ببساطة، إن الاتجاه في شرق أوكرانيا عسكرياً منذ شهور عديدة هو تقدم القوات الروسية ووقف النار فيها يعني وقف هذا التقدم، وهذا لصالح أوكرانيا، بينما يتيح وقف النار في شرق أوكرانيا للقوات الأوكرانية نقل قواتها إلى جبهة كورسك لتحسين مواقعها، مثلها مثل روسيا، ويربح الحرب هناك الطرف الأقوى، ومن حق كل من الفريقين الاعتقاد بأنه الأقوى.
رؤية بويتن تقوم على قراءة اتجاه الحرب لصالح بلاده بقوة، والسعي لترجمة ذلك بحسم مصير كورسك في فترة وقف النار في شرق أوكرانيا لبدء المفاوضات لتحقيق السلام على أساس وقائع الحرب، وهو بهذا الطرح يتفادى الفخ المنصوب للإيقاع بينه وبين ترامب في مرحلة تأسيسيّة للثقة بينهما.