مقالات وآراء

لبنان تحت الوصاية الأميركية: إلى أين؟

 

 د. محمود حسن سعد

 

في ظلّ التغيّرات السياسية الحادة التي يشهدها لبنان، ومع انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، وتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة القاضي نواف سلام، بدأت تتكشف معالم مشروع أميركي بعيد المدى يهدف إلى إعادة رسم المشهد السياسي والأمني في البلاد. هذا المشروع، المدعوم «إسرائيلياً»، لا يقتصر فقط على محاولة إضعاف المقاومة ونزع سلاحها، بل يسعى إلى إعادة هيكلة لبنان بالكامل ليصبح تحت الهيمنة والوصاية الأميركية، وصولاً إلى إدخاله تدريجياً في «اتفاقيات إبراهام» للتطبيع مع «إسرائيل»، بمعنى أوضح بناء نظام سياسي جديد يكون مطواعاً للإرادتين الأميركية و»الإسرائيلية»، وهذا أحد أبرز أهداف الحرب «الإسرائيلية» على لبنان.
تتجلى معالم هذا المخطط بوضوح في النهج الذي تتبعه الولايات المتحدة تجاه لبنان، وذلك من خلال حملة من الضغوط الاقتصادية الممنهجة، وتقديم الدعم للجيش اللبناني بشكل انتقائي، وفرض العقوبات على المقاومة وحلفائها، وتطبيق ثلاثية القرارات الدولية وهي 1559 و 1680 و 1701 وفق التفسيرات الأميركية، بالإضافة إلى ذلك، تُظهر السياسة الأميركية اهتماماً ملحوظاً بترويج أجندة التطبيع الإقليمي، والتي يتمّ تقديمها في كثير من الأحيان تحت غطاء مبادرات تهدف إلى «الإصلاحات الاقتصادية والسياسية». هذه الإجراءات مجتمعة تُبرز طبيعة المخطط أو المشروع الأميركي الذي يسعى إلى تحقيق أهداف استراتيجية في المنطقة، مع التركيز بشكل خاص على لبنان كجزء من هذه الرؤية الأوسع.

أولاً ـــ إضعاف المقاومة
كخطوة أولى نحو السيطرة

تدرك الولايات المتحدة الأميركية ان لا إمكانية البتة لأحداث التحوّل والتغيير في لبنان وفق التصورات الأميركية دون تحقيق الأمور التالية:
1 ـــ تجفيف منابع التمويل وإضعاف النفوذ السياسي
تتمثل أولى الخطوات الأميركية في مسار هيمنتها ووصايتها على لبنان في تكثيف الضغوط الاقتصادية على حزب الله وحلفائه، إذ تفرض الولايات المتحدة بين الفترة والأخرى عقوبات اقتصادية ضدّ الأفراد والشركات التي تربطهم علاقة بالحزب، وهو ما يعكس استراتيجية تهدف إلى تضييق الخناق على المقاومة وحرمانها من التمويل، وهذا نهج أميركي قديم لكنه تصاعد بشكل لافت في العام 2019 وحتى وقتنا الراهن وتحديداً بعد الحرب «الإسرائيلية» على لبنان حسث تتشدّد واشنطن في تطبيق هذه العقوبات وتلاحق الحزب ومناصريه في قارات العالم. هذه العقوبات المنسقة بشكل شبه تامّ مع الاتحاد الأوروبي تؤثر بشكل مباشر على القطاعات الاقتصادية الحيوية في لبنان، مثل القطاعين المصرفي والتجاري، مما يزيد من معاناة المواطنين اللبنانيين وتحديداً في مناطق كالجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية في بيروت.
إنّ هذه العقوبات الأميركية تسعى إلى خلق نوع من العزلة الاقتصادية حول حزب الله لجعله يعاني من أزمات مالية تمنعه من تحقيق أهدافه السياسية والعسكرية وأبرزها إعادة ترميم قدراته وتعزيز إمكانياته بعد الحرب «الإسرائيلية» على لبنان والتي دفع الحزب فيها أثماناً باهظة، ولدفع حلفائه للتخلي عنه تحت ضغط الأزمات المالية المتصاعدة، والترويج لفكرة انّ الحزب ضعف وتراجع نفوذه إلى حدّ كبير بحيث لم يعد قادراً على فرض أجندته في الداخل اللبناني، وتجدر الإشارة إلى أنّ تأثير هذه العقوبات لم يقتصر على الحزب فقط، بل طال كلّ الشعب اللبناني، مما جعل تأثيرها يتسارع من خلال خلق أزمة اقتصادية شاملة تضرّ بمستوى حياة المواطن العادي.
2 ـــ استهداف الممرات الحدودية لتعطيل الإمدادات العسكرية
أدى انهيار النظام السوري إلى خلق فراغ أمني على الحدود اللبنانية ـــ السورية، مما سمح لجماعات متطرفة ومتشدّدة بالسيطرة على مقاليد الحكم في دمشق، وانسحب ذلك ايضاُ على المعابر الحدودية الحيوية، وأعلن حكام سورية الجدد انّ تمرير السلاح للمقاومة في لبنان انتهى الى غير رجعة، وأنهم لن يسمحوا بما كان يسمح به النظام السابق، وان سورية لن تكون في صف المقاومة ضدّ «إسرائيل»، هذا التطور أضعف قدرة المقاومة على استخدام هذه المناطق كممر استراتيجي، وهو ما يتماشى مع المخطط الأميركي ـــ «الإسرائيلي» لخنق المقاومة عسكرياً، كما أنّ الضربات الجوية الإسرائيلية والاغتيالات المتكررة في الجنوب والبقاع وغيرها من المناطق تعكس سعياً مستمراً لتقييد حركة حزب الله ومنع تعزيز قدراته اللوجستية.
3 ـــ «إصلاحات قانونية» لتشديد الحصار على حزب الله
تسعى الولايات المتحدة الى تضييق الخناق المالي على حزب الله، من خلال الدفع باتجاه إجراء ما تسمّيه «إصلاحات قانونية»، وإعادة النظر بالعديد من التشريعات المالية، لذا يصدر عن المسؤولين الأميركيين كما عن وزارة الخارجية الأميركية والدوائر التابعة لها تصريحات وبيانات دورية تعتبر خارطة طريق بهذا الصدد يتوجب على الحكومة اللبنانية تطبيقها، هذه الإصلاحات من شأنها تقييد المؤسسات المالية المرتبطة بالحزب، مما يجبره على البحث عن مصادر تمويل بديلة قد تكون أكثر عرضة للمراقبة والاختراق.
تتزامن هذه المساعي مع أوامر أميركية واضحة للسلطات اللبنانية وتحديداً الأمنية منها وفي طليعتها جهاز أمن المطار، تقتضي بمنع أيّ طائرة إيرانية من الهبوط في مطار بيروت، للحدّ من إمكانية نقل الأموال من إيران إلى حزب الله، كما ومصادرة أية أموال تأتي من خارج لبنان بمجرد الاشتباه بها بأنها ستذهب لحزب الله. هذه الأوامر استجابت لها سريعاً السلطات المعنية في بيروت، وهذا ما كشفته مؤسسة «القرن الدولية للبحوث والسياسات الدولية» من أنّ «تقييد التدفقات المالية الإيرانية من قبل السلطات اللبنانية قد وضع الحزب في موقف صعب».

ثانياً: إدخال لبنان
في اتفاقيات إبراهام تحت الضغط

تعتقد الولايات المتحدة الأميركية انها أمام فرصة تاريخية يتوجّب استغلالها لإخراج لبنان من معادلة المواجهة ودائرة الصراع نظراً للثقل الذي تشكله المقاومة، وقد عبّرت المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس وان بشكل غير مباشر بأن ما يحدث حالياً يمهّد لبدء مفاوضات لبنانية ـــ «إسرائيلية» تهدف إلى توقيع إتفاقية سلام بين الطرفين، وما يسهل هذه المهمة على واشنطن هو التغيير الحاصل مؤخراً من رئاسة الجمهورية الى الحكومة وتشكيلها واختيار أعضائها وفق معايير أميركية صرفة، كما ووجود قبول عند العديد من الاطراف اللبنانية لفكرة التخلص من المقاومة من بوابة التطبيع مع «إسرائيل»، لذا باشرت الولايات المتحدة العمل على ما يلي:
1 ـــ الترويج للعلاقات الاقتصادية مع الكيان «الإسرائيلي»
كشفت العديد من التقارير الدولية وأبرزها ما صدر عن معهد بروكنغز عن أنّ الولايات المتحدة الأميركية قد قطعت شوطاً مهماً في إقناع الكثير من النخبة السياسية والاقتصادية في لبنان بأنّ التطبيع مع «إسرائيل» هو الحلّ للأزمة المالية. ويتمّ ذلك من خلال الترويج لمشاريع اقتصادية مشتركة، مثل تصدير الغاز اللبناني عبر «إسرائيل»، وتطوير الموانئ اللبنانية بتمويل أميركي وخليجي مشروط بالتطبيع.
2 ـــ استخدام الضغط الدولي لإجبار لبنان على الانخراط في الاتفاقيات
استمرار الولايات المتحدة في استخدام نفوذها داخل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لمنع وصول أيّ مساعدات مالية إلى لبنان ما لم تُنفَّذ إصلاحات سياسية وأمنية تتماشى مع مصالح واشنطن وتل أبيب. هذا يشمل الضغط لخصخصة القطاعات الحيوية، مما يفتح المجال أمام شركات غربية و»إسرائيلية» للسيطرة على مفاصل الاقتصاد اللبناني. وثمة معادلة أميركية ثابتة يجاريها فيها بعض الداخل اللبناني تقوم على الإعمار مقابل التطبيع والسلام مع «إسرائيل»، ودون ذلك لن يتمكن أحد من إعادة بناء وإعمار ما دمّرته الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان.

ثالثًا ـــ الهيمنة على الدولة
السيطرة على القرار الأمني والاقتصادي

1 ــ التحكم في المؤسسات الأمنية
عملت الولايات المتحدة الأميركية وما زالت على ضمان ان يكون الجيش اللبناني المؤسسة الأمنية الوحيدة القادرة على اتخاذ قرارات استراتيجية، وذلك عبر تعيين قائد جديد يتماشى مع التوجهات الأميركية، يعمل على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار مع «إسرائيل» بما ينسجم مع الرؤية الأميركية لهذا الاتفاق وتفسيراته، بل سيكون من ضمن مهامه بالتعاون مع السلطة السياسية التي تدور في الفلك الأميركي تطوير اتفاق وقف إطلاق النار إلى مستوى عالٍ من التنسيق العسكري والأمني والاستخباري يؤمّن الهدوء على جانبي الحدود، ويوفر المعلومات المطلوبة لمنع قيام المقاومة سواء أكانت حزب الله أم غيره من تهديد سلامة المستوطنات الإسرائيلية وسلامة «إسرائيل» بالمعنى الواسع. كما سيكون من مهام القائد الجديد للجيش اختيار قادة الوحدات والشعب والمديريات من ضباط ترضى عنهم الولايات المتحدة، وذلك لضمان إمساك واشنطن بكل مفاصل الجيش.
والأخطر في موضوع الجيش وقائده هو الرغبة الأميركية الصارمة في ان يكون الجيش رأس الحربة في نزع سلاح المقاومة وتجريدها من أيّ أمكانية لتهديد «إسرائيل»، وهذه رغبة لا تخفيها واشنطن بل انها تراهن على انّ الجيش بمقدوره القيام بهذه المهمة، لا سيما إذا علمنا انّ هناك مساعي وتوجهات أميركية تقتضي بإبعاد الضباط الذين يجاهرون بموقفهم بـأنّ على الجيش ان لا ينخرط في أيّ خطوة أو مهمة أو مشروع من قبيل الاصطدام مع المقاومة لأنّ ذلك سيؤدي حتماً إلى إنقسامه وتشرذمه في تكرار لتجربة الثمانيينات، وهي تجربة مكلفة على الجيش والدولة بكل المقاييس.
وما ينسحب على الجيش ينسحب على الأجهزة الأمنية التي يجب ان تتوافق التعينات فيها مع المعايير الأميركية، فما طبّقته الولايات المتحدة على اختيار أعضاء الحكومة ينسحب حتماً على تعيين قادة الأجهزة الأمنية، هذه الأجهزة التي يجب ان تكون جزءاً من المنظومة التي تراها الولايات المتحدة ضرورية لوصايتها على لبنان.
2 ـــ فرض الإصلاحات الاقتصادية كأداة للسيطرة
تشير تقارير صندوق النقد الدولي إلى أنّ المساعدات المالية الدولية مشروطة بتنفيذ إصلاحات تتضمّن خفض الدعم الحكومي، وتحرير سعر الصرف، وتعديل القوانين المالية بما يسمح بإشراف أميركي مباشر على العمليات المصرفية. الهدف النهائي هو ضمان أن يكون الاقتصاد اللبناني خاضعاً بالكامل للنفوذ الأميركي، مما يحدّ من قدرة أيّ قوى مستقلة على تمويل أنشطة مناهضة لـ «إسرائيل» أو الولايات المتحدة.
ويواصل صندوق النقد الدولي محاولاته لمحاصرة حزب الله مالياً عبر ملاحقة «اقتصاد الكاش» والإمساك به في لبنان، إذ عقد وفد الصندوق الذي حضر إلى لبنان مؤخراً اجتماعاً مع لجنة تقنية في جمعية المصارف، للحصول على أجوبة على 18 سؤالاً تتمحور حول 3 مواضيع أساسية: أداء سوق القطع وتدخّل مصرف لبنان فيها، القيود المصرفية على التحويلات، والترخيص لإجراء عدد من التحويلات المالية الخارجية. وطلب الصندوق من المصرفيين تقديم تفاصيل دقيقة حول التحويلات التي تتمّ عبر المصارف لتمويل النفقات المعيشية للأسر، بالإضافة إلى توضيح دور مصرف لبنان في تحديد حجم التحويلات الخارجية. تأتي هذه الخطوات في إطار الجهود الدولية المستمرة لاحتواء «اقتصاد الكاش»، الذي ازدهر نتيجة الانهيار المصرفي والنقدي في البلاد.

رابعاً ـــ إدراج «بيجر آكت» في الاستراتيجية الأميركية تجاه لبنان

في سياق المخطط الأميركي للهيمنة والوصاية على لبنان وإضعاف «حزب الله وحركة أمل»، قدّم النائب الأميركي الجمهوري في الكونغرس غريغ ستيوب مشروع قانون «بيجر آكت « (BIGGER Act)، الذي يهدف إلى فرض عقوبات اقتصادية ومالية أشدّ على التنظيمين وحلفائهما، إضافةً إلى ممارسة ضغوط أكبر على الحكومة اللبنانية لضمان التزامها بتطبيق السياسات الأميركية في المنطقة.
يستند مشروع القانون إلى استراتيجية تعتمد على عزل حزب الله وحركة أمل وحلفائهما مالياً، وتجفيف مصادر تمويلهما من الداخل والخارج، وفرض مزيد من الرقابة على المؤسسات اللبنانية، لا سيما تلك التي تتلقى دعماً دولياً. كما يتضمّن المشروع بنوداً تمنع وصول أيّ مساعدات مالية أميركية أو دولية إلى الجهات التي يُعتقد أنها تتعامل مع الحزب والحركة، مما يزيد من تعقيد الأزمة الاقتصادية اللبنانية ويدفع الحكومة إلى خيارات سياسية واقتصادية محددة تتماشى مع المصالح الأميركية.

وجهة النظر «الإسرائيلية»:
بين الحذر والفرصة التاريخية

تشير التحليلات الإسرائيلية، مثل تلك الصادرة عن «معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي» (INSS) إلى أنّ الحكومة اللبنانية الحالية تمثل نافذة محتملة للتعاون غير المباشر، عبر قنوات دولية، لضمان التزام بيروت بتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي 1559 و 1680 و 1701 بالكامل، بما يشمل نزع سلاح حزب الله وإعادة بسط سيطرة الجيش اللبناني على الجنوب. لكن الأهمّ من كلّ ذلك هو ما أعلنته رئاسة الحكومة الإسرائيلية مساء الثلاثاء الفائت عن الاتفاق على بدء مفاوضات مع لبنان لبحث قضايا عالقة، تشمل ترسيم الحدود البرية وقضية الأسرى، وذلك بعد اجتماع في بلدة الناقورة الحدودية بمشاركة ممثلين من لبنان «وإسرائيل» والولايات المتحدة وفرنسا، وتمّ الاتفاق على إنشاء ثلاث مجموعات عمل مشتركة لمعالجة قضايا مثل النقاط الخمس التي تسيطر عليها «إسرائيل» في الجنوب اللبناني، والخط الأزرق، وقضية المعتقلين اللبنانيين. وتابع بيان رئاسة الحكومة الإسرائيلية أنه وكبادرة حسن نية، أفرجت «إسرائيل» عن خمسة مواطنين لبنانيين كانوا محتجزين لديها، بينهم عضو في حزب الله، وأكد بيان مشترك صادر عن سفارتي الولايات المتحدة وفرنسا وقوات «اليونيفيل» أنّ لجنة آلية تنفيذ وقف الأعمال العسكرية اجتمعت للنقاش حول تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 واتفاق وقف إطلاق النار. وأشار مسؤول أميركي إلى أنّ إدارة ترامب تتوسط بين الجانبين لتعزيز وقف إطلاق النار والتوصل إلى حلول دبلوماسية للنزاعات الحدودية المتبقية، مع التركيز على 30 نقطة متنازع عليها على طول الخط الأزرق.
ورغم كلّ ذلك ثمة مخاوف «إسرائيلية» تتمحور حول مدى قدرة الحكومة اللبنانية على الصمود أمام الضغوط الداخلية، خصوصاً أنّ حزب الله قد يعيد ترتيب أوراقه أو يستفيد من أيّ هفوات في الاستراتيجية الإسرائيلية، وأيضاً في السياسة الأميركية حيال لبنان، لا سيما أنّ كلا الطرفين الأميركي والإسرائيلي يدركان انّ الحاضنة الشعبية للمقاومة كبيرة جداً، ومن الصعب إضعافها بسرعة وسهولة.
في الختام يمكن القول، إنّ لبنان اليوم يقف على مفترق طرق حاسم، حيث تسارع الولايات المتحدة إلى فرض رؤيتها مستغلةً الأزمة الاقتصادية التي تفجّرت في أواخر عام 2019 تحت مسمّى «ثورة تشرين»، والحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، والتي أدت إلى استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وعدد كبير من قادة المقاومة مستفيدةً من غياب توازن داخلي حقيقي يمنع تنفيذ مخططها، فالولايات المتحدة تظهر متحمّسة بشكل غير مسبوق حيال فتح مسار للمفاوضات بشأن اتفاقيات سلام تشمل لبنان وسورية، وهو ما أشار إليه مؤخراً ستيفن ويتكوف، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، إذ عبّر ويتكوف عن تفاؤله بإمكانية انضمام السعودية إلى «اتفاقيات أبراهام»، مشيراً إلى أنّ التغيرات السياسية في المنطقة قد تؤدي إلى توسيع نطاق هذه الاتفاقيات، بحيث تشمل في المستقبل كلاً من لبنان وسورية، مما قد يفتح المجال أمام تحركات دبلوماسية جديدة في هذا الاتجاه. لكن نجاح هذا المشروع ليس مضموناً، فلبنان ليس مجرد ورقة تحركها واشنطن وفق مصالحها، بل هو ساحة صمدت أمام الضغوط والحروب لعقود، حيث تمثل المقاومة فيه جزءاً أصيلاً من نسيجه الوطني، وليس مجرد ظاهرة عابرة. في ظلّ الانقسامات الداخلية الحادة والتحديات الإقليمية المتسارعة، يبقى المستقبل مفتوحاً على احتمالات عدة، خاصة أنّ أهل السلطة في لبنان يلوذون بصمت مطبق حيال كلّ ذلك، فإما أن يحافظ لبنان على مساره المقاوم، أو يجد نفسه منساقاً نحو مسار جديد يضعه تحت الهيمنة الأميركية ـــ «الإسرائيلية»، فالأيام وحدها كفيلة بكشف مدى قدرة هذا المخطط على تحقيق أهدافه أو السقوط أمام إرادة المقاومة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى