أخيرة

شالوم… شالوم… والبقية تأتي

 

في الدراسات الأدبية الأولى اتفق الدارسون على إطلاق «عصر الانحطاط» على الفترة الزمنية الممتدّة من سقوط بغداد على يد هولاكو سنة 1258م إلى مطلع القرن التاسعَ عشرَ. لكنّ بعض النقاد مالوا، في السنوات الأخيرة، على استبدال لفظة «الانحطاط» بلفظة «الانحدار»! وتبنّى اللفظة كثير من الأدباء والدارسين.
لستُ أدري دوافع النقاد لهذه المظاهرة اللفظية، لكنني أدرك تماماً، وبوعي كامل، أننا نعيش الآن عصر الانحطاط، وأنّ هذا الزمن العربي الرديء لم يبقَ فيه منحدر إلّا ونزلنا إلى قاعه، وأنّ القمم التي كانت هاجسنا صارت مسطّحةً ومقعّرةً، وأنّ الإنسان فيها أصغر من كلّ الأحلام.
لا تستغربوا أبداً، أيها السادة، أن ترَوا ملكاً أو رئيساً يحرق الكتاب العربيّ ليستبدلَه بآخرَ عبريٍّ، ويبيع لسانه العربيّ ليشتري بديلاً عنه لساناً عبريّاً!
لا تستغربوا أن ترَوه يخطب بالعبريّة، ويكتب بالعبريّة، ويصلّي حتّى بالعبرية! ألم ترَوا، يا سادتي، كيف تحوّلت اللغة العبرية إلى فواصلَ ذاتِ إيقاع كلّما تمّ حوار بين مسؤول عربيّ وآخرَ إسرائيلي؟
هل يمكن أن نصلَ إلى الأسوأ بعد أن تحوّلت اللغة العبرية إلى متراس نحتمي به كلّما أردنا أن ندغدغَ مشاعر اليهود لنصلَ إلى بركتهم التوراتيّة؟
شالوم… شالوم… والبقية تأتي!
شالوم… شالوم… والمعادلة في غاية الوضوح: سلامٌ من طرف واحد… لمصلحة طرف واحد… لتأصيل الطرف الواحد.
أمّا نحن فإلى نعيب… وكان الله في عون كلّ الشهداء الأنبياء الذين طيّبوا الأرض والسماء بدمائهم دفاعاً عن كرامة هذه الأمة.
ماذا نقول لهؤلاء الشهداء؟
أنقول لهم إنّ ملوكهم، وأولياءَ عهدهِم، وبعضَ رؤسائهم، قد نسَوا لغتهم العربية، وتبنّوا اللغة العبرية؟
أنقول لهم بأنّ المفكرين الذين هلّلوا لكلّ شهيد، وكتبوا عن كلّ شهيد، قد خُصيتْ مبادئهم… يرقصون، ويندمون، ويمدحون، ولا خوف على «فحولتهم» وهم المخصيّون!
شالوم… شالوم… والويل من الأعظم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى