في ذكرى استشهاد كمال جنبلاط

بشارة مرهج
باستشهاد كمال جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي والقائد الوطني المرموق خسر لبنان والعروبة شخصية سياسية وثقافية لا تعوّض، إذ كان جنبلاط، مع تمسكه بوحدة لبنان واستقلاله، داعية للوفاق العربي مؤمناً بفكرة الاتحاد بين الدول العربية عاملاً على تحقيقها بالتحالف مع الحركة الناصرية وقائدها الكبير جمال عبد الناصر. كان جنبلاط يدرك بان الاتحاد هو خشبة الخلاص للعرب الذين فرّقهم الاستعمار وجعلهم منشغلين بطوائفهم بدل العمل على تحقيق وحدتهم، وكم كان يوحي ويجاهر في كتاباته السياسية انّ الوحدة العصرية الديمقراطية تؤهّل العرب للسيطرة على مواردهم وثرواتهم، وتجعلهم أقوى بمواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني الذي لم يوقف محركاته يوماً عن زعزعة استقرار المنطقة العربية ومحاولة السيطرة عليها والعمل على تقسيمها وإضعافها واستتباعها، دون أن ينسى لحظة ضرورة مقاومة القوى المحلية المرتبطة بهذا المشروع الاستعماري التي تمارس القهر والاستغلال على أبناء جلدتها وتخدم متذللة في الوقت نفسه على موائد هذا المشروع المترعة بثمار ومنتجات بلادنا.
الى ذلك أدرك كمال جنبلاط أهمية وضرورة تعزيز الأواصر بين بلدان العالم الثالث والبلدان الاشتراكية والأمة العربية على قاعدة الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بغية تحصين العملية التنموية ومواجهة تدخلات الرأسمالية المتوحشة التي تعيش على حساب الشعوب. ولثباته على مواقفه الوطنية والتقدمية.
انتُخب جنبلاط رئيساً للحركة الوطنية وأصبح مرجعاً عربياً وشخصية عالمية يرفع علم لبنان والعرب عالياً في كلّ مؤتمر يرأسه او يشارك فيه. وأذكر يوم ذهبنا الى العراق سوياً عام 1973 أنه بذل جهوداً كبيرة للتوفيق بين بغداد ودمشق وبين بغداد والاخوة الأكراد استعداداً لحرب تشرين التي كانت تلوح في الافق.
كمال جنبلاط يمثل الصفاء والالتزام في الحياة السياسية اللبنانية التي رفع من شأنها وهي المترعة بالرياء والنفاق والاستتباع. تبقى ذكراه الطيبة حافزاً لإرساء حياة سياسية عصرية صالحة منتجة تليق بالشهداء وبهذا الوطن الحبيب الذي أراده جنبلاط، الزعيم الوطني المستقلّ، وطناً حراً قوياً لكلّ أبنائه وليس لحفنة من المصرفيين والرأسماليين والإقطاعيين الذين أبهرهم المال الحرام وانساقوا في دروب التسلط والاستبداد…